للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأبدان. وكالحساب؛ فإنه ضروري في المعاملات وقسمة الوصايا والمواريث وغيرها.

وهذه هي العلوم التي لو خلا البلد عمّن يقوم بها حرج أهل البلد. وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن الآخرين. فلا يتعجب من قولنا: إن الطب والحساب من فروض الكفايات، فإن أصول الصناعات أيضًا من فروض الكفايات، كالفلاحة والحياكة والسياسة، بل الحجامة والخياطة. فإنه لو خلا البلد من الحجام تسارع الهلاك إليهم، وحرجوا بتعريضهم أنفسهم للهلاك. فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء، وأرشد إلى استعماله وأعدّ الأسباب لتعاطيه. فلا يجوز التعرض للهلاك بإهماله.

وأما ما يعد فضيلة لا فريضة فالتعمق في دقائق الحساب، وحقائق الطب، وغير ذلك مما يستغنى عنه. ولكنه يفيد زيادة قوة في القدر المحتاج إليه.

٢ - المذموم: فعلم السحر والطلسمات والشعبذة والتلبيسات.

٣ - المباح: كالعلم بالأشعار التي لا سخف فيها وتواريخ الأخبار وما يجري مجراه" (١).

وتعد هذه الرؤية "الغزالية" رؤية شاملة للموقف من العلوم الدينية والدنيوية، وهي السائدة في الأمة الإِسلامية، ومع ذلك فقد ضعفت العلوم بشقيها داخل الأمة الإِسلامية، العلوم الشرعية والدنيوية؛ وذلك أنه عندما تُفرط الأمة في شرط خيريتها تعود من جديد نحو الضعف والجهل، ومن تفريطها في شرط خيريتها ما وقع من تحول عند بعض فئاتها، إلى علوم لا نفع فيها، أو ضررها أكبر من نفعها، وكان من آثار ذلك هجران العلوم الشرعية وندرة العلماء فيها، وفي المقابل وقع الخراب في الحياة الدنيوية بعد أن أهملت علومها النافعة. وأصبح العلم عند هؤلاء خليطًا من فلسفات وأفكار لا تسمن ولا تغني من جوع، فلم يأخذوا بوصية أهل العلم في أخذ النافع وترك ما سواه، مما جعل الميل لغير النافع يتسع حتى جاء شيخ الإِسلام ابن تيمية في القرن الثامن بدعوته وتجديده وإصلاحه الشامل وبمراجعته النقدية لكل المجال الديني والعلمي والفكري بعد أن أصابه ما أصابه.


(١) إحياء علوم الدين، الغزالي ١/ ٢٧، مع تصرف يسير قصد الترتيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>