للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه يعيد صياغتها وتصفيتها عبر تأصيلها بمنهج سلفي متكامل وشامل، فيتجنب بهذا كل المزالق التي سلكها بعض من سبقه من أهل الإِسلام.

ومن أهم الأعمال العامة التي قدمها شيخ الإِسلام -رحمه الله- للحضارة الإِسلامية في الموقف من العلوم المختلفة، ولاسيما ما له علاقة بموضوع البحث نقف مع ما يأتي:

١ - إعادة النظر في المنهج:

لقد كان بعض علماء الإِسلام قبل شيخ الإِسلام يحسنون الظن بالمنطق، بل كان هذا حال شيخ الإِسلام حيث يقول -رحمه الله-: "فإني كنت دائمًا أعلم أن المنطق اليوناني لا يحتاج إليه الذكي، ولا ينتفع به البليد. ولكن كنت أحسب أن قضاياه صادقة لما رأينا صدق كثير منها، ثم تبيّن لي فيما بعد خطأ طائفة من قضاياه" (١)، وكان من بين ما نبه إليه -رحمه الله- أن هذا العلم "المنهج" قد يكون عائقًا حتى في تقدم العلوم الدنيوية حيث يقول: "وأيضًا لا تجد أحدًا من أهل الأرض حقق علمًا من العلوم، وصار إمامًا فيه مستعينًا بصناعة المنطق، لا من العلوم الدينية ولا غيرها، فالأطباء والحساب والكتاب ونحوهم يحققون ما يحققون من علومهم وصناعتهم بغير صناعة المنطق" (٢). وهو وإن مارس هذا النقد فهو يؤسس لمنهج آخر، هو المنهج الذي يؤدي إليه النظر في النصوص الشرعية، وهذا المنهج هو الأقرب لوجود علوم دنيوية نافعة، يقول "علي النشار" في ذلك: "ولكن إذا كان ابن تيمية لم يقبل القضية الكلية اليقينية -مقدمة البرهان ونتيجته- كأساس أو مصدر للعلم، فما هو هذا الأساس عنده؟ هذا الأساس هو "الحس" أو "التجربة" وهو بهذا يسبق "بيكون" و"مل" في جعلهما التجربة أو الاستقراء أساس المعرفة "إنهم لم يمكنهم التوصل إلى القضية: النار تحرق، بدون التجربة والعادة" وأصدق القضايا نتائج هي التي تعتمد على التجربة، وهي القضايا الجزئية "إن القضايا الحسية لا تكون إلا جزئية فنحن لو لم ندرك بالحسّ إحراق هذه النار، وهذه النار، لم ندرك أن كل نار محرقة -فإذا جعلنا هذه قضية كلية، وقلت: كل نار محرقة، لم يكن لنا طريق نعلم به صدق هذه القضية الكلية علمًا


(١) الفتاوى ٩/ ٨٢.
(٢) نقض المنطق ص ١٦٨ ومثله: ص ١٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>