للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العناد؛ لكنهم جهال بالعلم الإلهي إلى الغاية، ليس عندهم منه إلا قليل كثير الخطأ" (١). فإذا كانت هذه العلوم متأثرة بهذه الأجواء فمن الواجب إزالة ما لا علاقة له بالعلم من أمور فلسفية غير نافعة، ثم إذا كانت هذه العلوم صحيحة في ذاتها ونافعة، فلا مانع من ترجمتها إلى اللغة العربية وتعلمها من قبل المسلمين، ففي سياق أحد الموضوعات التي تحدث عنها شيخ الإِسلام قال -رحمه الله-: "فإن ذكر (٢) ما لا يتعلق بالدين، مثل مسائل الطب والحساب المحض التي يذكرون فيها ذلك، وكتب من أخذ عنهم، مثل: محمَّد بن زكريا الرازي وابن سينا ونحوهم من الزنادقة الأطباء ما غايته: انتفاع بآثار الكفار المنافقين في أمور الدنيا، فهذا جائز. كما يجوز السكنى في ديارهم ولبس ثيابهم وسلاحهم، وكما تجوز معاملتهم على الأرض إلى أن قال: "فإن المشركين وأهل الكتاب فيهم المؤتمن، كما قال -تعالى- {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران: ٧٥] ولهذا جاز ائتمان أحدهم على المال، وجاز أن يستطب المسلم الكافر إذا كان ثقة، نص على ذلك الأئمة كأحمد وغيره، إذ ذلك من قبول خبرهم فيما يعلمونه من أمر الدنيا وائتمان لهم على ذلك، وهو جائز إذا لم يكن فيه مفسدة راجحة مثل ولايته على المسلمين وعلوه عليهم ونحو ذلك. فأخذ علم الطب من كتبهم مثل الاستدلال بالكافر على الطريق واستطبابه بل هذا أحسن؛ لأن كتبهم لم يكتبوها لمعين من المسلمين حتى تدخل فيها الخيانة، وليس هناك حاجة إلى أحد منهم بالخيانة، بل هي مجرد انتفاع بآثارهم، كالملابس والمساكن والمزارع والسلاح ونحو ذلك.

وإن ذكروا ما يتعلق بالدين، فإن نقلوه عن الأنبياء كانوا فيه كأهل الكتاب وأسوأ حالًا، وإن أحالوا معرفته على القياس العقلي: فإن وافق ما في القرآن فهو حق، وإن خالفه ففي القرآن بيان بطلانه بالأمثال المضروبة، كما قال -تعالى-: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (٣٣)} [الفرقان: ٣٣] ففي القرآن الحق، والقياس البين الذي يبين بطلان ما جاؤوا به من القياس، وإن


(١) الفتاوى ٩/ ١٣٥.
(٢) الحديث هنا عن الفلاسفة اليونان وأتباعهم والمتأثرين بهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>