للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التجريبية، وما تبع ذلك من ازدهار العلوم الطبيعية وما لحق ذلك من ثورة صناعية وتقنية.

٢ - إثبات الأسباب والطبائع والقوى الموجودة في مخلوقات الله سبحانه:

فمن المعلوم اليوم أنه بفضل اكتشاف "القوانين" التي وضعها الخالق سبحانه في مخلوقاته أمكن التقدم بالعلوم الطبيعية والانتفاع بذلك غاية النفع، وهي التي قام عليها العلم الحديث، حيث ارتبط التقدم العلمي باكتشاف المزيد من هذه القوانين، وهذه القوانين لا يمكن تصور وجودها إلا بالإقرار بمبدأ السببية (١).

بالعودة إلى شيخ الإِسلام وعلماء السلف عمومًا نجد أن من أصولهم إثبات الأسباب والرد على منكريها من الجبرية وأمثالهم، ونكتفي بهذا الشاهد لشيخ الإِسلام حيث يقول: "ولكن المقصود هنا أن كثيرًا من أهل النظر والكلام كالأشعري وغيره أنكروا الأسباب والطبائع والقوى الموجودة في خلق الله وأمره، وأنكروا حِكَمَ الله المقصودة بذلك، وقالوا في لامات كي المذكورة في القرآن كقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦]، وقوله: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: ١١٩]، وقوله: {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: ١٨٧]، وأمثال ذلك هي "لام العاقبة" ليست "لام التعليل"، إذ كان يمتنع عندهم أن يفعل الله شيئًا لأجل شيء.

فهؤلاء لا يثبتون في الأفلاك العلوية ولا الأجسام السفلية ولا النفوس قوىً تكون سببًا لحدوث شيء" (٢)، ثم قال بعد كلام طويل: "والمقصود هنا أن جمهور المسلمين يقولون بالحق الذي دل عليه المنقول والمعقول فيقولون: إن أفعال العباد مخلوقة لله مفعولة له، وهي فعل للعباد حقيقة لا مجازًا، وهم يثبتون لله في خلقه وأمره من الأسباب والحكم، وما جعله الله في الأجسام من القوى والطبائع في الحيوان وفي الجماد، لكنهم مع إثباتهم للأسباب والحكم لا يقولون بقول الطبائعية من الفلاسفة وغيرهم، بل يقولون: إن الله خالق كل شيء


(١) انظر مثلًا: الاستقراء والمنهج العلمي، د. محمود فهمي زيدان، ولاسيّما ص ١٠٢ وما بعدها.
(٢) الصفدية، شيخ الإِسلام ابن تيمية ١/ ١٤٧ - ١٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>