للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقينية وهذه قد يوجد بينها كثير من الظنون والتخمينات، وقياس الغائب على الشاهد الذي قد يكون في نفس الأمر قياسًا فاسدًا" (١)، وهو يُحيل إلى ما هو سائد في المناهج العلمية المعاصرة، أن العلوم التجريبية رغم ضخامة الثمار الناتجة عنها وكثرة الحقائق التي تحويها؛ فإنها نسبية لا تصل إلى الحقائق المطلقة، وهذا في الثابت منها فكيف بغير ذلك ولاسيما بعد ظهور "النظرية النسبية" وأثرها على العلم والمناهج (٢). ورغم هذا الاتفاق إلا أن الروح المادية الطاغية على طائفة من صانعي العلم الحديث أو الملتفين حوله، تجعلهم يقدمون هذا العلم بصورته النسبية على الحقائق الدينية، مع أن العلم يقبل الملاحظة والتجريب ودخول المختبر، أما الدين وحقائقه فلا نستطيع التأكد منها بمثل ما نتأكد به من المسائل المحسوسة التي يشتغل عليها العلم، وهذا يعني أن العلم يحتاج إلى مظلة جديدة غير تلك المظلة المادية التي أفسدت علاقته بالدين.

وانتقل الشيخ بعد جوابه عن شبهة الاغترار بهذه العلوم وأهلها قياسًا على القطعي منها إلى شبهة أخرى، يرددها المقلِّدون لأرباب العلوم الحديثة، وهي دعوى أن هذه المسائل العلمية مجمع عليها عند أهلها، وأجاب الشيخ بجوابين:

١ - أن المسلم مأمور بتقليد إجماع واحد هو إجماع علماء الإِسلام لشهادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنهم لا يجمعون على ضلالة.

٢ - أن إجماع علماء علم من العلوم قد يكون مبنيًا على دليل ظني، وهذا لا يفيد عصمة إجماعهم من الخطأ.

وذكر نموذجًا لإجماع علماء الفلك قرونًا طويلة على النظرية القديمة، وكم ألفوا فيها من الكتب، وكم دونوا من الأصول والقواعد، وكم صوروا صور الأفلاك، وذكروا لها من الأحكام الطويلة العريضة، فجاء المتأخرون وأبطلوا كل ذلك من أصله، وصار بينهم يُعدّ خرافة من خرافات البشر، وقد كان فيهم من هو مصدق بتلك النظرية، وأنها الحق المطلق ويستحيل عندهم وجود غيرها، وعلى هذا فلابد من تحرير حقيقة ذلك الإجماع، هل هو واقع في المسألة المقصودة،


(١) المرجع السابق ص ١٥١.
(٢) انظر: الفصل الأول من هذا البحث.

<<  <  ج: ص:  >  >>