للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - مناقشته لأشهر النظريات وشبهاتها حول الدين "الرد أو التوفيق":

بعد أن تحدد المنهج في الأصول المذكورة في الفقرة السابقة جاء دور المناقشة للنظريات والاكتشافات العلمية التي يظهر منها مخالفة لظاهر النص أو لظاهر المعتقد، وليس بالوسع إعطاء تقويم لكل ما قدّمه الشيخ، على أنه لا يُسلّم له بكل ما وصل إليه. إلا أن الفرق واضح بين عصر المؤلف أول القرن الرابع عشر وعصرنا بداية الربع الثاني من القرن الخامس عشر الهجري، فاليوم هناك عشرات العلماء من المسلمين في فنون العلوم المختلفة الحديثة، وهناك إلى جانبهم الجامعات الكثيرة وأساتذتها من المتخصصين في العلوم الشرعية أو العلوم العصرية، وهذا يُسهل الأمر إن وجدت عزيمة وهمة لمعالجة الوضع، ومع هذه الكثرة فإن مشروعات الأمة في مواجهة هذه التحديات ما زالت ضعيفة ودون الأمل. أما في عصر الشيخ فمن النادر أن تجد العالم بالشرع العارف في الوقت نفسه بعلوم عصره وشبهاتها ومشاكلها، ويتجاوز الموقف السلبي إلى الموقف الإيجابي فيجتهد في رفع الشبه ويقرّب المسائل بلغة يفهمها من وقع بين فكي تلك الشبهات، وإنها لمحاولة صعبة وضخمة وشاقة تلك التي قام بها الشيخ لمن تذكّر إمكانيات عصره وتحدياته.

لقد مرّ الشيخ وهو يعرض لمجمل العقيدة على أغلب ما أثاره العلم الذي عُرف في زمنه، وناقش كل ذلك مدركًا حدود الإمكانيات ومدركًا الصعوبات، وقد كان لذلك أثره في نفوس المطلعين على مشروعه من ناحية الانتفاع والرد على المخالفين باعتماد كلامه.

ظهر العلم الحديث بوضوح في مشروع الشيخ الجسر، وقد أخذ ثلاثة مظاهر: الأول، في أثناء عرضه لبعض موضوعات العقيدة حيث كان يقربها للأذهان ببعض الأمثلة العلمية، وهذا يعني أن العلم يخدم الدين ولا يتعارض معه، والمظهر الثاني يأخذ طابع الرد على من جعل بعض ما يفهم من موضوعات العلم الحديث ضد الدين، والمظهر الثالث عبر سعيه للتوفيق بين ما ظهر منه التعارض بين ظاهر النصوص والقطعي من العلم الحديث.

فمن النوع الأول مثلًا تقريب خروج الماء من الحجر في معجزة النبي موسى -عليه السلام- بما اكتشف عند أهل الكيمياء من تحويل الغاز إلى سائل (١). ونجد


(١) انظر: الحصون الحميدية ص ٥٨ - ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>