للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من بين المتوسعين نجد الشيخ "طنطاوي جوهري" (١٢٨٧ - ١٣٥٨ هـ) - (١٨٧٠ - ١٩٤٠ م) في تفسيره: "الجواهر في تفسير القرآن الكريم"، فيجتهد عند ورود أية كلمة أو جملة عن المخلوقات بذكر وصفها في العلوم الحديثة، مع أن له موقفًا من التعارض ذكره في أحد كتبه: أن توسعه إنما هو في باب بيان المعنى دون الوقوف مع ما يعارض الوحي، فأثناء حديثه عن النظرية الحديثة في الفلك، ذكر بأن النظريتين معروفتان في كتب المسلمين، وقد ذكرهما مثلًا "عضد الدين" في كتابه: "المواقف"، وذكر الاعتراضات على نفاة دوران الأرض والرد عليها، وعلى ذلك سار شارحه "علي الجرجاني" (١).

وبعد استعراضه لأقوال علماء الفلك المعاصرين قال: "ومع ذلك كله فالقرآن لا يعارض شيئًا من هذه الأشياء. على أننا لا نحتاج لتأويل القرآن إلا لليقينيات، وهذا ليس منها فإن نوع بني آدم لا يمكنه أن يحيط بشيء من علم الله تعالى إلا بما شاء. . . ." (٢). وإذا كان الشيخ يتشدد في التأويل إلا أن تفسيره صورة واضحة ومثال نموذجي للتوسع في إدخال العلوم العصرية الحديثة في التفسير.

كانت شخصية الشيخ محمَّد عبده جاذبة ومؤثرة، فالتف حوله الكثير وكان صدره مفتوحًا للجميع، وقد أطمع حاله الكثير فيه. فطلاب العلم قد التفوا حوله طمعًا في علمه وفكره ومنهم محمَّد رشيد رضا، وأرباب الساسة وجدوه قائدًا دينيًا مهمًا فحاولوا استثمار مكانته ولاسيّما جهاز الاستعمار الجاثم على أرض مصر، حيث كان "كرومر" يبني بعض آماله على الشيخ مع تركيزه على فئة من مريديه، والقسم الثالث خليط من الشباب المعجب بالشيخ دون أن يتعلم على يديه، وهم مجموعة من المفكرين والسياسيين والصحفيين، وقد كان تأثرهم بالفكر الغربي أوسع من تأثرهم بالفكر الإِسلامي، وقد أكسبتهم صلتهم بالشيخ والتفافهم حوله شهرة اجتماعية، ولكنهم بعد وفاة الشيخ حرفتهم تيارات التغريب واستهوتهم فكرة العلمنة ودعمهم الاستعمار عندما آنس منهم هذا التوجه ومكنهم من واجهة المجتمع ومكنهم من إداراته، وقد برز في هذا التيار عصرانية علمانية


(١) جواهر العلوم والآداب. .، الشيخ طنطاوي جوهري ص ١٢١، تحقيق طه سعيد.
(٢) المرجع السابق ص ١٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>