فكل هؤلاء الفضلاء رغم تأثرهم أو إعجابهم بالشيخ محمَّد عبده إلا أن لهم اجتهاداتهم الخاصة، كما أنهم قد اتجهوا أكثر نحو الاتجاه السلفي، ومن بقي منهم على تأثر بالمنهج الكلامي وبطريقة الشيخ محمَّد عبده، فإنهم في جوانب الفكر الأخرى يلتقون في كثير من الأبواب مع الاتجاه السلفي، يرجع ذلك والله أعلم إلى سعة علمهم الشرعي، فإن الفاضل منهم عندما يتبحر في علوم الشريعة نجده ينجذب إلى منهج السلف ولاسيّما إذا ظهر منه الاعتناء بعلم الحديث، نرى ذلك بارزًا في أعلام الشام مثل "القاسمي" فضلًا عن التحول مع الشيخ "محمَّد رشيد رضا" ومدرسته التي أثر فيها "جماعة أنصار السنة المحمدية" فمؤسسها الشيخ "محمَّد الفقي" من المهتمين بعلم السنة فضلًا عن المحدث الشيخ "أحمد شاكر"، وكذا الحال مع "جماعة العلماء المسلمين في الجزائر" وكذا مع الشيخ "الطاهر بن عاشور"، فمع هؤلاء تضعف نقاط الاختلاف -إلى حد التلاشي عند بعضهم- بينهم وبين الاتجاه السلفي إن لم يكونوا من رواده.
وهناك طائفة أخرى من المتأثرين بالشيخ غلب عليهم تقليده مع ثباتهم على ما نشئوا عليه من الكلام والتصوف، ولكن هؤلاء أيضًا على مستوى القضايا الفكرية المهمة يتشاركون مع الاتجاه السلفي في الموقف منها، وهي من مواطن الاشتراك المحمود الذي يفترض أن يحدث فيه التعاون بين الاتجاهين الكبيرين داخل الأمة الإِسلامية، ويكمل أحدهما الآخر، فربما تميز الاتجاه التوفيقي بحكم البيئة والمشكلات التي واجهوها في المسائل الفكرية بينما تميز الاتجاه السلفي بتبحر علمائه في العلوم الشرعية، فلو حدث تعاون في القضايا الفكرية المشتركة وكمّل بعضهما الآخر، ولاسيّما في مواجهة تيار التغريب، لكان في ذلك خيرٌ بإذن الله.
هناك طائفة ثالثة كانت حول الشيخ، ولكنها بعد موته اتجهت إلى التغريب أو العلمنة، حيث احتوتهم تلك الدوائر ووظفت شهرتهم وعلاقتهم بالشيخ بما يخدم التغريب، وهي أبعد عن الشيخ ومنهجه وإن تغطت بعلاقتها به.
وهناك طائفة رابعة ظهرت بعد زمن الشيخ، زمن التيارات الفكرية (الليبرالي والقومي والماركسي) وغيرها، فقد أرادت هذه التيارات الالتصاق بالشيخ بعد ظهور المدّ الإِسلامي الرائع والصحوة الإِسلامية المباركة، فتوجهت هذه التيارات للشيخ -لمقاومة الصحوة فيما يظهر عند الكثير، أو إعلان رجوع للإسلام عند