القليل- وإلى فكره وعلمه وفتاويه ومنهجه لتوسيع مقولاته، دون أن يكون لهم من الرصيد العلمي ما يؤهلهم لمثل هذا العمل. وقد شكل هذا الاحتفاء العلماني الكبير بالشيخ محمَّد عبده درجة من الشك حول حقيقته، مع أن المتأمل في كتابات الشيخ، وفي ما يدّعيه هؤلاء يجد فرقًا كبيرًا بين ما قاله وبين ما يقولونه، ويكون الأمر أشبه بالاستغلال لشخصية بارزة مثل الشيخ. ولكن في الوقت نفسه فإن الثغرات التي يحويها منهج الشيخ قد سمحت لمثل هؤلاء المتطفلين باستثمارها في أهوائهم الفكرية، وهي ثغرات منهجية خطيرة لا يمكن التقليل من شأنها.
والخلاصة أن أتباع الشيخ أو من تأثر به: منهم طائفة علمية تجاوزت ثغرات الشيخ واقتربت من الاتجاه السلفي، وهناك طائفة حافظت على خط الشيخ وهي أظهر في من لم يتبحر في علوم السنة، وطائفة جرفها تيار التغريب وفكر العلمنة واستثمر مكانتهم وشهرتهم، وطائفة من مفكري التيارات والمذاهب الفكرية العلمانية حاولت الالتصاق بالشيخ وإبرازه كرمز يتوافق مع مشروعاتهم رغم بعده عنها.
فقد حصل تعاون كبير بين الاتجاه السلفي والطائفة الأولى ولاسيّما أن نقاط الخلاف نادرة، ويمكن حدوث تعاون مهم في المجال الفكري مع الطائفة الثانية بشرط قيام التناصح على ما سلكوه من مذاهب حادثة أو مناهج خاطئة، ويبقى الجدال والنقاش مع الطرفين الآخرين، والله الهادي إلى سواء السبيل.
مقولة تحتاج إلى تأمل:
النتيجة السابقة تذكرنا بمقولة ذكرها أكثر من باحث حول منهج محمَّد عبده، وهي أن منهجه كان قنطرة نحو العلمنة، ومن ذلك ما ذكره "محمد محمَّد حسين" عن "الحوراني""بأن قارئ محمَّد عبده يُحس أنه كان يريد أن يقيم سدًّا في وجه الاتجاه العلماني، يحمي المجتمع الإِسلامي من طوفانه ولكن الذي حدث هو أن هذا السد قد أصبح قنطرة للعلمانية عبرت عليه إلى العالم الإِسلامي، لتحتلّ المواقع واحد تلو الآخر، ثم جاء فريقٌ من تلاميذ محمَّد عبده وأتباعه، فدفعوا نظرياته واتجاهاته إلى أقصى طريق العلمانية"(١)، فهذه المقولة
(١) الإِسلام والحضارة الغربية، د. محمَّد محمَّد حسين ص ٧٨ - ٧٩.