للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - لم يُبعد الوحي في الفكر الغربي إلا بسبب ظهور الإلحاد والعلمنة أو بسبب مشكلة الوحي الذي يعرفونه، ويختلف العالم الإِسلامي، فهو لا يعرف الإلحاد ولا يوجد أي مبرر للشك في الوحي، فقد آمنوا بنبوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، كما ثبت عندهم الوحي، وثبت عندهم حفظه من قبل رب العالمين وهو خير الحافظين قال -تعالى-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩]، قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}؛ أي: في حال إنزاله وبعد إنزاله، ففي حال إنزاله حافظون له من استراق كل شيطان رجيم، وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله، واستودعه فيه ثم في قلوب أمته، وحفظ الله ألفاظه من التغيير فيها والزيادة والنقص، ومعانيه من التبديل، فلا يحرف محرف معنى من معانيه، إلا وقيض الله له من يبين الحق المبين، وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على عباده المؤمنين، ومن حفظه أن الله يحفظ أهله من أعدائهم، ولا يسلط عليهم عدوًا يجتاحهم" (١)، وقال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)} [فصلت: ٤١ - ٤٢]، قال ابن كثير -رحمه الله-: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}؛ أي: ليس للبطلان إليه سبيل؛ لأنه منزل من رب العالمين، ولهذا قال: {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}؛ أي: حكيم في أقواله وأفعاله، حميد بمعنى محمود، أي: في جميع ما يأمر به وينهى عنه الجميع محمودة عواقبه وغاياته" (٢)، وقال الشيخ السعدي -رحمه الله-: ""و" الحال {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ} جامع لأوصاف الكمال {عَزِيزٌ} أي: منيع من كل من أراده بتحريف أو سوء، ولهذا قال: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}؛ أي: لا يقربه شيطان من شياطين الإنس والجن، لا بسرقة، ولا بإدخال ما ليس منه به، ولا بزيادة ولا نقص، فهو محفوظ في تنزيله، محفوظة ألفاظه ومعانيه، قد تكفل من أنزله بحفظه كما قال -تعالى-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} " (٣).

وقد نُقل بالتواتر إلى كل جيل عمن سبقه، لهذا فعند أهل الإِسلام مصدر


(١) تفسير السعدي ص ٤٢٩.
(٢) تفسير ابن كثير ص ١١٧٦.
(٣) تفسير السعدي ص ٧٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>