الحق وإقامة المنهج والبعد عن الهوى لا يصح تجاهل دورها على البشرية في تخليص المناهج من الهوى والظن والكذب.
لا يشكل المفهوم السابق للموضوعية -بمعنى الحرص على الحق والبعد عن الهوى- مشكلة، فالإِسلام موقفه صريح من ذلك، ولكن المشكلة تقع في محتويات أخرى أُقحمت ضمن مصطلح الموضوعية، ويُراد تعميمها في كل منهج علمي، وقد التصقت بحركة العلم الحديثة وذهبت معها في أي مكان تبناها، وقد تبنى الاتجاه التغريبي تلك المضامين بقوة، وقد يكون فيهم الغافل عن خطئها، إلا أن هناك المتعمد في التركيز عليها لهدف واضح عنده.
ويبرز من المحتويات السلبية لمصطلح الموضوعية أمران خطيران يحرص عليهما أهل المنهج التغريبي: الأول، نجد تلميحًا عنه في التعريف "لا بتمذهب أو تحزب" فيُدْخَل فيه طلب الباحث أن يتخلى عن معارفه الدينية إن كان متدينًا، وكما يقولون: العلم لا علاقة له بالدين. والثاني، أوسع من ذلك وأخطر، حيث تُرفض المعرفة الدينية، ويصبح وجود شيء منها ضمن المعارف الحديثة متنافيًا مع الموضوعية والعلمية، وبهذا تكون الموضوعية أداة رفض أو إقصاء لكل مضمون ديني في المعارف العلمية، وتتوازى الموضوعية هنا مع دعوى العقلانية أو العلمية، فشرط المعرفة كما يقولون أن تكون عقلانية وعلمية وذلك يعني إقصاء كل ما هو ديني. ولهذا فإني أطلق عليها اسم الموضوعية العلمانية لارتباطها بحضارة علمانية، ومن ثم لا يوجد موضوعية مطلقة، فكل موضوعية هي مرتبطة بوضعها الخاص، فهي تكتسب من البيئة خصائصها.
يعود مفهوم الموضوعية العلمانية لقائمة مفاهيم "العقلانية العلمية العلمانية" التي اشتهرت في الغرب، وقد تحدد في المنهج العقلي الذي أرسى منهجه ديكارت. . . . غايات ومقاصد، سعى المنهج العلمي في تحقيقها، ولكن تلك "العقلانية العلمية" لم تحقق النفع في غاياتها (١)، فهل حققت النجوع في الوسائل؟ وقد بحثها المفكر طه عبد الرحمن تحت عنوان:"المنهج العقلي العلمي وحدود النجوع في الوسائل" وقال فيه: "من ينظر في وسائل المنهج