للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العقلي العلمي، يجدها، هي الأخرى، متصفة بالصفات الثلاث الآتية: تكلف الموضوعية، والجمود على الظاهر، واتخاذ الوسائط.

أ- تكلف الموضوعية: تزعم الممارسة العقلانية العلمية تطهير وسائلها من كل أثر للمعاني والقيم الذاتية بحجة التزام طريق "الموضوعية"، هذا الطريق الذي يوجب، في نظرها، الاقتصار في كل شيء على الرجوع إلى الملاحظة الظاهرة والتجربة الحسية، حتى أصبحت المعاني الدينية والقيم الأخلاقية تُعدُّ عندها بمنزلة عوائق أو عقبات تثبِّط العمل العلمي وتخرجه عن حقيقته وفائدته؛ والصواب أن تحصيل تمام الموضوعية غير ممكن، وكل ما تفعله هذه الممارسة العقلانية هو أنها تستبدل بالمعاني الأخلاقية الدينية معاني وقيمًا أخرى غير دينية وغير أخلاقية بما فيها "الموضوعية" نفسها.

ولما كان العلم الحديث مبنيًا على هذا التصور الخاص للمعرفة الموضوعية، فاته تحصيل الوسيلة الناجعة في خدمة حياة الإنسان؛ لأن هذه الوسيلة تقتضي الجمع بين طلب المعرفة العلمية، وبين التزام المعاني والقيم الروحية والأخلاقية" (١).

اكتسب مصطلح الموضوعية مثل هذه المضامين الخطيرة بعد توسيع مدلوله ليقوم على "غياب لكل عوامل التحيز، وكف لتأثيرها وعوامل التحيّز هي كما يقول جيبسون: "ما ينتج عن التأثير المناوئ للاستخدام السليم للشواهد والبينات المتاحة للباحث، وهو تأثير دوافع الشخص وعرفه وقيمه وموقفه الاجتماعي، فأن تكون موضوعيًا معناه ألا تتأثر بدوافعك وعرفك وقيمك وموقفك الاجتماعي" (٢).

ويمكن تصور حجم دور مصطلح الموضوعية بالنظر إلى دلالاته بحسب مستويات مختلفة في دائرة الفكر والعلم، وهي:

١ - دلالتها القيمية: تعد الموضوعية تجردًا من كل حكم من أحكام القيمة.

٢ - دلالتها المعرفية: وهي تتجاوز التعريف التقليدي "معرفة الأشياء كما هي" إلى العناية بالصلة بين الذات العارفة والموضوع المعروف، وهنا تبرز المدارس الفلسفية المختلفة.


(١) المرجع السابق ص ٦٦ - ٦٧، وانظر: أفي الله شك؟، د. حمد المرزوقي ص ٧٨.
(٢) الموضوعية في العلوم الإنسانية. . . .، د. صلاح قنصوه ص ٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>