للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه الذرة الصغيرة تحوي كل هذه العجائب، ويتفرغ لدراستها عباقرة من علماء الطبيعة في ميادين مختلفة، وتنفق فيها مبالغ طائلة، ويُصنع لها أجهزة دقيقة، ويعمل لها مختبرات ضخمة، ومع ذلك فعالمها المجهول ما زال كبيرًا، فكيف بالغيب الذي أوجدها؟! وكيف بغيب الملأ الأعلى والغيب الديني الكبير؟! كيف يستطيع الإنسان الإحاطة به مع كل عظمته وهو لم يستطع الإحاطة بالعالم الصغير المادي؟ ثم إن في انكشاف هذا العالم المخفي بكل عجائبه دلالة لأولي العقول على غيب أعظم، وفي طريقة عملها دلالة أعظم على وجود قادر عليم (١).

٢ - العالم المادي الكبير:

فلنترك هذا العالم الصغير المدهش، ولننظر في الكون الكبير، وسيكون مع الأجهزة الحديثة أكثر إدهاشا من الذرة وعالمها، ويذكر م. شعبان "أن كل ما كان يعرفه العلماء عن أجرام الكون قبل هذا التاريخ -تاريخ إطلاق تلسكوب هابل في الفضاء ١٩٩٠ م-، لم يكن يتعدى ١% من مجموعها" (٢). وليس لمن هو خارج هذه العلوم إلا أن يعجب من هذه المسافات والأحجام التي يذكرها علماء الفلك والفيزياء الكونية، وربما هذا أهم ما يذكرونه في كتبهم، حيث أن ما سوى المسافات والأحجام أمر يحتاج إلى إمكانيات هي فوق طاقة البشر، وإن مشروعًا واحدًا لدراسة كوكب من الكواكب يكلف من المال والأجهزة والعلماء ما يفوق إمكانيات البشر (٣).

إذا نظرنا لما يقوله علماء الفيزياء والفلك عن الكون المادي، وهو عالم محسوس لرأينا من جهة: عِظم خلق الله، مما يجعل العقل السليم يقرّ بعلم الله الواسع وحكمته البالغة وقدرته التامة، ويجعل العقل السليم يعترف بصعوبة الإحاطة بعالم الشهادة فكيف بالغيب العظيم؟! فإن عالم الشهادة نجهل أكثره


(١) وانظر للمزيد: في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/ ١١١٧ - ١١١٨، وانظر: الإسلام يتحدى، وحيد الدين خان ص ٥٩، تعريب ظفر الإِسلام خان.
(٢) الطريق إلى المريخ، م. سعد شعبان ص ١٩٣.
(٣) انظر مثلًا: ما كتب حول دراسة كوكب المريخ مثل: الطريق إلى المريخ، م. سعد شعبان، وانظر: البحث عن حياة على المريخ، دونالد، ترجمة د. إيهاب محمَّد. وكلاهما من سلسلة المعرفة الكويتية برقم (٢٢٨) و (٢٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>