للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجسم، وبشكل أدق فإن هذه المعلومات والأسرار وضعت داخل نواة الخلية التي لا يمكن رؤيتها إلا تحت المجهر بعد أن يجري تكبيرها آلاف المرات. "كيف يمكن أن نتصور أن ما يعادل ١.٢ مليون صفحة "حوالي ٣.٢ بليون حرف" يمكن كتابتها ضمن حيز ضيق لا تتجاوز أبعاده بضعة ميكرونات "١ سنتيمتر يساوي ١٠ آلاف ميكرون"؟، والحيز الضيق هنا هو نواة الخلية. . . . ويعتقد العلماء أن المليارات الثلاثة من الحروف التي يتكون منها الجينوم يمكن كتابتها على خط طوله متران، وهو الطول الفعلي لمجموع الصبغيات الموجود داخل النواة. وهنا يبرز سؤال آخر هو: كيف يمكن كتابة حوالي ٣.٢ بليون حرف على مسافة مترين؟. . . ." (١) أما المادة الوراثية نفسها فهي موجودة على شكل خيوط رفيعة متطاولة ومتناثرة ضمن النواة وهذه الخيوط تسمى الحمض النووي " DNA" . . . . إن المادة الوراثية " DNA" الموجودة في كل خلية من خلايا الإنسان تتكون من ٣.٢ بليون عنصر كيميائي، وكل عنصر منها يمثل ما يسمى جزيئًا، وهو عبارة عن أحد العناصر المسماة: أدينين، سايتوزين، غوانين، ثايمين، ويرمز لهذه الجزيئات علميًا بالأحرف: A ،C ،G،T على التوالي. ولو أن هذه المليارات "٣.٢ بليون" من الجزيئات قد كتبت على شكل خط مستقيم. . . . لامتد هذا الخط إلى مسافة تقدر بخمسة آلاف كيلو متر. . . . ولو أردنا كتابة المعلومات الوراثية الموجودة في خلية واحدة من خلايا جسمنا لملأت مليون وخمسمائة صفحة من القطع العادي. ويقدر مجموع طول خيوط الحمض النووي الموجودة في خلية واحدة من خلايا الجسم بحوالي عشرة أمتار، ولو علمنا أن الجسم البشري يحوي حوالي "١٠ (١٣) " خلايا، فسيكون الطول الكلي لهذه الخيوط في الجسم ما يقارب "١٠ (١١) " كيلومترات.

وللعلم فإن هذه الكتابة الطويلة للمعلومات الوراثية تتميز بأعلى درجات الدقة والإتقان الرائع، وإن كل حرف له محله الخاص، ولنتصور أن مجرد تغيير حرف من مكانه في هذه الكتابة الطويلة (٥٠٠٠ كم) قد يسبب موت الطفل الوليد، وهذا ما نسميه أمراض الطفرات الوراثية" (٢).


(١) أخذت ما بين القوسين من موضع آخر من الكتاب وأدخلته هنا لمناسبته لذلك، العصر الجينومي. استراتيجيات المستقبل البشري، د. موسى الخلف ص ٢٠.
(٢) العصر الجينومي. . . .، د. موسى الخلف ص ٦٣ - ٦٤، بتصرف يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>