ضعيفة أمام هذه النظريات، لاسيّما مع البناء العلمي الضعيف الذي يتلقاه المسلم في زمننا المعاصر، فليس عنده من العلم الشرعي ما يميز به بين الحق والباطل، ويحتك بالثقافة الغربية الفائرة في ذروة شبابه، فلا يجد بُدًّا من الاستسلام لهذه الحركة العلمية، دون قصد مخالفة الدين. وقد تُعالج هذه الحالة بوجود عمل إسلامي في حقل التأصيل للمعارف الحديثة مثل مشروعات التأصيل الإسلامي ومشروعات إسلامية المعرفة وغيرها، وهي نافعة لمثل هؤلاء؛ لأن مشكلتهم تزداد، ويزداد عددهم داخل العلوم العصرية، مع استسلام من قِبَلهم لحركة العلم المعاصرة، فما لم يظهر مشروع قوي للتأصيل الإِسلامي، فسيكونون كتلة مستقبلية كبيرة يصعب تصحيح وضعها، وقد يشكّلون أداة دعم لعناصر التغريب دون قصد منهم.
أما الطائفة الأسوأ في هذا الباب فهم المتغربون بشتى مدارسهم، وهؤلاء بعد اطلاعهم على النظريات الحديثة، ثم انخراطهم في تقليد تيارات الفكر العلمانية الغربية، قد يجدون في مثل هذه النظريات العلمية أداة لهدم الدين أكثر من كونها نظرية في مجال علمي، والحقيقة أن محاولة الاستحواذ على النظريات العلمية واستغلالها في الصراعات الدينية والفكرية أمر سائد في العصر الحديث، وقد بلغت ذروتها في الغرب مع بروز المعسكرين الرأسمالي والشيوعي في القرن الماضي، حيث تحمس المعسكر الشيوعي لنظريات معينة؛ ليس لأنها علمية فقط؛ بل لأنها تخدم رؤيتهم الأيديولوجية، وتحمس الرأسماليون لغيرها؛ لأنها تخدم رؤيتهم الفكرية ومصالحهم، وقد يشتركون في نظرية، ولكن كل جهة تفسرها بما يناسبها (١)، ويعود السبب لأمرين: لاشتهار العلم من جهة في التعبير عن الحقائق وفي الوصول للفوائد، ولاشتهار التيارات الفكرية الناشطة في الدعوة لمبادئها، فاستعانت التيارات بالعلم في صراعاتها الفكرية. وعندما ظهرت التيارات التغريبية العربية وجدت تجربة كبيرة أمامها وقدوة تقتدي بها، فنقلت ذاك الصراع الفكري إلى العالم الإِسلامي، واستعانت بتلك النظريات في معاركها. ولكن مع تحويل النظريات إلى أداة للصراع يختلف الوضع؛ لأن التركيز لا
(١) انظر: الفصل الأول والثاني من الباب الأول، وانظر: المبحث الأول من الفصل الثاني من الباب الثالث.