للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا من عدم الإيمان بالغيب ومن عدم الإيمان بالوحي، ومن عدم الاطمئنان لقول الله تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء: ٨٧]، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: ١٢٢].

٢ - امتداد الرؤية المادية العلمانية إلى إطار النظريات وإلى تفاصيلها، لاسيّما في أبواب الخلق والتسخير والتدبير، فهم لا يتكلمون عن عالم مخلوق وإنما عن عالم موجود، وذلك أن الحديث عن العالم الموجود يبعدهم عن الاعتراف بعالم من خلق الله تعالى (١)، ولذا يأتي الحديث في هذا الباب دون ذكرهم خلق الله لهذه العوالم، وهي مفرق طرق بين التصور الإِسلامي والتصور العلماني، فذكر العوالم المخلوقة لا يأتي في القرآن إلا مقرونًا بخالقه ومدبره ومسخره وربه ومليكه، وقد استبدل الاتجاه المادي هذا الخالق سبحانه بالطبيعة، فهي التي تقوم بكل الأدوار التي جاء نسبتها في القرآن لرب العالمين، وهذا في الأمور الجارية على سنن ثابتة، أما البدايات لكل شيء أو التغيرات فتنسب للصدفة، وقد صيغت كثير من النظريات، ومن ثم الكتب العلمية وفق هذا المنظور، فيتم الحديث عن هذا العالم المخلوق وكأنه دون خالق، إنما هو آلة محكمة تدير نفسها بنفسها، وعند وجود تغير أو تحول فالذي لا يخضع منها لمنطق العلم وقوانينه، ومن ثم للطبيعة فيحال للصدفة، وقد أراد بعضهم إثبات مثل هذا الرأي في الصدفة بمنطق العلم الرياضي (٢)، ومن ذلك هذه الصدفة التي وقعت بخروج الخلية الحية من المادة، مع أن من نظر في عالم الخلية اليوم يعلم كم هي عالم عجيب تلك الخلية، يقول بوكاي: "ومثل هذا القول يساوي تمامًا في أهميته القول بأن إمكانية تكوين جزيئات الصلب من خام الحديد والفحم تحت درجات الحرارة العالية يمكن أن تؤدي -بصورة عفوية- إلى تشييد برج إيفل .. عبر سلسلة من المصادفات الموفقة التي عملت على تجميع المواد في وضعها الصحيح. ومع ذلك فوجه الشبه في المقارنة ضعيف جدًا؛ لأن تعقد التركيب في أي من الأحياء الأولية يفوق -بالفعل- تركيب برج إيفل. . . ." (٣)،


(١) قارن: سلامة موسى وأزمة الضمير العربي، د. غالي شكري ص ١٠١.
(٢) انظر حول هذين الصنمين ما كتبه محمَّد يوسف: مصرع الدارونية، الباب الثالث ص ٧١ - ١٠١.
(٣) ما أصل الإنسان. . . .، د. موريس بوكاي ص ٢٧، ترجمة مكتب التربية العربي لدول الخليج.

<<  <  ج: ص:  >  >>