للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحياة (١)، وكلها تتنافس في هذا الباب، وهو من جهة دينية مما لا يمكن القول فيه بقول قاطع لعدم ورود نص صحيح صريح حول الكيفيات التي وقع بها الخلق للمخلوقات، منذ أن خلق الله السموات والأرض حتى اللحظة التي استطاع الإنسان اكتشاف مكونات المخلوقات المادية والحية، حتى أصغر شيء فيها من الذرة وما بداخلها في عالم المادة، ومن خلية وعالمها في عالم الكائنات الحية، ثم استطاع معرفة شيء من طريقة عملها. فلم يأت القرآن بذلك وما كان غرضه ذكر هذه التفاصيل التي يذكرها علماء الطبيعة، ولكن ورد في القرآن والسنة أصول عامة حول هذه المخلوقات، مثل خلق السموات والأرض والحياة والإنسان، ومن ذلك خلق السموات والأرض قبل الإنسان، ومن ذلك أن كل كائن حي يرجع إلى الماء، قال -تعالى-: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (٣٠)} [الأنبياء: ٣٠]، وقال -تعالى-: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} [النور: ٤٥]، ومن ذلك أصل الزوجين في المخلوقات الحية، قال -تعالى-: {وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [الرعد: ٣]، وقال -تعالى-: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩)} [الذاريات: ٤٩]، ومنها خلق الكائنات الحية من هذه الأرض ومنهم آدم الذي خلق من تراب، قال -تعالى-: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)} [آل عمران: ٥٩]، وقال -تعالى-: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (١٨)} [نوح: ١٧ - ١٨]، والآيات في ذلك كثيرة. وتبقى هذه أصولًا عامة، وكل ما خالفها يعلم بطلانه، أما الكيفية فهي مما لا نعلمها؛ لأنه لم يرد فيها نص، وغالب ما يقوله أهل العلوم مما يدخل في باب الكيفيات، فإن كانت من الغيب الذي لا يمكن للبشر علمه إلا بالخبر مثل خلق آدم -عليه السلام-، فكل دعوى حوله هي من الرجم بالغيب؛ لأنه لا طريق لها إلا بالخبر، بخلاف خلق الإنسان، فقد كان أمره من الغيب النسبي، وقد جاء ذكر تفاصيل ذلك في القرآن، وكانت التفاصيل المذكورة غير ممكنة المعرفة زمن نزول القرآن، فكانت من الغيب النسبي، ثم مع تطور


= الإِسلامي، د. إبراهيم تركي ص ٤٣٥، وانظر: الموسوعة العربية العالمية ٢٠/ ٢٩٩.
(١) حول النظريات الواردة في أصل الحياة انظر مثلًا: نظرية التطور عند مفكري الإِسلام. دراسة مقارنة، د. محفوظ عزام ص ١٢٨، وانظر: ص ١٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>