يكون القرآن هو الإطار، وهو الأصل، وهو السقف، وهو الرؤية، ثم يكون غيره فرعًا له، وهذا ما نجده مثلًا عند هذا الكاتب، فبعد عرضه لعدد من الآيات حول الكون قال:"يُستخلص مما سبق أن نظرة الإِسلام إلى الكون تتفق مع نظرية النشوء والارتقاء لداروين وأتباعه من الطبيعيين إلى حد بعيد. فالكون كان كتلة واحدة "رتقًا" ثم انقسمت "انفتقت" بإرادة إلهية، لعلها عن طريق الانفجار العظيم. . . ."(١)، ولولا هذا الاتفاق بحسب تصوره لقام بتحريفها كما حرف الكثير في كتابه.
يقوم الاتجاه التغريبي بعرض النموذج العلمي عن وجود الكون والحياة والإنسان بوصفها منافسًا لما ورد في الدين، بل بديلًا حقيقيًا، ويَستثمر كل مكان مشتبه للطعن في الدين، ويُصور الأمر على أنه انتقال من الخرافة إلى العلم. فيَعرض وجود الكون والأرض والحياة والإنسان بهذا التسلسل، ثم يتبع ذلك بالتكذيب بكل أمور الغيب، ومختصر طريقتهم في ذلك هي: يأتي أولًا وجود الكون والسموات والأرض ثم الحياة والكائنات الحية ثم الإنسان، ثم يأتي بعدها تصورات الإنسان عما حوله، فبعد نمو دماغه استطاع أن يضع تصوراته حول هذه الموجودات، ولقدرة الدماغ على الخيال فهو يبتكر تصوراته بشكل أسطوري وخرافي عن هذه الموجودات التي يعجز عن معرفتها، ومن ذلك: كيف وجد الكون؟ وكيف تحدث التغيرات في الطبيعة؟ وكيف ظهر الإنسان؟ وهل هناك عوالم خفية تحيط به يرمي عليها تفسير فعل ما لم يستطع تصوره؟ ويُقحم المتغربون في هذا الباب -تبعًا للفكر الغربي العلماني- الأصول الدينية التي أُرسل بها الرسل ونزلت فيها الكتب، ويخلطون في الباب بين الحق والباطل من خلال المقارنة بين الدين الحق وبين الأديان المبدلة أو المخترعة أو البدع والانحرافات.
لا يحرص الدكتور رزق -صاحب التطور الموجه- على إبراز ما يعارض الدين من النظريات العلمية، ولكنه يقع في الإشكال المنهجي من جهة تصوره للدين كرموز بينما النظريات هي حقائق، وهو يظن أنه يحسن للدين وهو يسيء له بذلك، كما أن فلسفة العلم المعاصرة لم تعد ترى النظريات ذات تعبير صرف عن حقائق موضوعية، وقد رأينا في المبحث الأول من هذا الفصل اتجاه أغلب