للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسطورة أم لا؟ نريد جوابًا محددًا وحاسمًا من الموفقين وليس خطابة. هل يفترض في المسلم أن يعتقد في النصف الثاني من القرن العشرين، بأن مثل هذه الحادثة وقعت فعلًا في تاريخ الكون؟ إن كانت هذه القصة القرآنية صادقة صدقًا تامًا، وتنطبق على واقع الكون وتاريخه "إنها كلام منزل" لابد من القول: إنها تتناقض تناقضًا صريحًا مع كل معارفنا العلمية، ولا مهرب عندئذ من الاستنتاج بأن العلم الحديث على ضلال في هذه القضية. وإن لم تنطبق القصة القرآنية على الواقع ماذا تكون إذن "في نظر الموفقين"، إن لم تكن أسطورة جميلة" (١).

والإجابة العامة هنا أن الأمر على ما هو عليه، إلا أنه لم يظهر أحد من علماء الإِسلام، وقال بنفي التعارض المطلق؛ وإنما علماء الإِسلام يقولون بعدم وجوده بين النص الصحيح الصريح وبين العلم الصحيح الصريح، أما ما ليس بعلم، أو ما هو علم مخلوط بغيره مما ليس بعلم، فهذا قد يقع القول بالتعارض فيه، وهذا من تمام العقل والعلم والدين، والجهل هنا هو قبول كل ما جاء في الحركة العلمية والفكرية الغربية دون نظر وبحث وتدقيق، ومن المستحيل عند أي عاقل أن يقول بأنه لا يوجد تعارض بين الدين والعلم مطلقًا؛ لأن العلم ذاته يحوي مقولات ناقصة أو مشتبهة، ويوجد في دائرة العلم صور من التعارض بين نظريات علمية أو بين أجزاء من مكوناتها، ومن باب أولى وجوده بين تلك النظريات وبين الدين في جوانب، وإنما الأمر يتعلق بالحقائق العلمية، مع العلم أن كثيرًا مما يقال له حقائق علمية يُنظَر له في فلسفة العلم المعاصرة بمعنى نسبي؛ لأن الحديث هنا عن عالم يصعب الإمساك به ووضعه تحت التجريب المباشر، ويكثر الحديث عن مثالية العلماء عندما يتحدثون عن مفاهيم غير محسوسة، فإذا كان ما يُقال عنه حقائق علمية ينظر له بمنظور نسبي فكيف بغيره مما لم يصل لدرجة عالية من التحقق، ولم يمتلك من الشواهد ما يكفي (٢). إذًا فعلماء الإِسلام يثقون في الوحي ويعرفون أنه الحق من ربهم، ولا يمكن أن يظهر في العقل أو في العلم ما يعارضه، ويقولون: إنه لا يوجد تعارض بين الدين الحق والعلم اليقيني "الحقائق العلمية"، أما الدارونية فقد رُفضت في أماكن


(١) نقد الفكر الديني، د. صادق العظم ص ٢٥ - ٢٦.
(٢) انظر: العالم بين العلم والفلسفة، جاسم العلوي ص ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>