للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المستحيلات هي التي جعلت من علاج عيسى -عليه السلام- معجزة عظيمة، بينما المنكر لها قد جعل هذه الاستحالة دليلًا على نفيها أو تأويلها، وقد استثنى من ذلك ما قبله عقله منها، فقبل بعض صور تأثير العلاج فقال: "إنما يبقى شيء مهم، لابد من قوله، وهو أن الإنسان يستطيع بقوة روحية ذاتية، لاسيما إذا ساندتها قوة روحية خارجية عظيمة كالتي كانت للسيد المسيح خلال حياته، أو لمثيله من الأولياء وبعض العلماء والحكماء الصالحين أثناء حياتهم أن تؤثر على نفس المريض. . . ." (١).

ويتورع هذا الكاتب تورعًا باردًا فيقول: "أما معجزات موسى وعيسى التي وردت في التوراة والإنجيل، وحكاها القرآن، فنحن لا ننكرها، كحوادث، ما دامت قد وردت على ما وردت عليه في الكتب المقدسة المذكورة، وإنما نرى وجوب تأويلها وفق ما يتصوّرها العقل في الواقع؛ أي: على الشكل الذي يؤيد نواميس الكون ومنه الطبيعة، ولا يغيّرها" (٢)، ويقول: "ولا نرى حاجة لاستعراض سائر معجزات موسى لتبيان إمكان تأويلها إلى حقيقتها الواقعية، ولإثبات أن ما كان يُعتبر معجزة أو إعجازًا في عهده، لم يعد كذلك في عهد ارتقاء العلوم والمعارف، وارتياد الفضاء الواسع. ويمكننا بالأسلوب عينه تأويل معجزات السيد المسيح عيسى -عليه السلام-" (٣).

فيكون التأويل هو الأداة لتشذيب كل معجزات الأنبياء التي لم تتقبلها الطبيعة، ولا نواميسها.

إن مشكلة المنكرين للمعجزات تعود إلى انحراف إيمانهم بالرب سبحانه، فهناك من عَظُمت عنده الطبيعة حتى أصبحت أكبر من الله وإن لم يُصرّح بذلك، فكأنها هي التي تتحكم بخالقها وليس الخالق هو المدبر لها والمسخر لها. وبهذا يتصورون حقيقة الرب سبحانه بمقياس عقولهم وبمقياس الطبيعة، مع أن هذه المعقولات والمعلومات تتغير وتتطور، فكيف يقاس كلي القدرة والعلم والكمال بالمتحول من معارف الناس وتصوراتهم عن الطبيعة! نعم يرد في آيات الأنبياء ما


(١) هكذا تكلم العقل ص ١٨٩ - ١٩٠.
(٢) المرجع السابق ص ٢٢٥.
(٣) المرجع السابق ص ٢٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>