وأما من جهة الغرض فلأن الغرض منه هو الاعتصام بالعروة الوثقى، والوصول إلى السعادة الحقيقية التي لا تفنى.
وأما من جهة شدة الحاجة فلأن كل كمال ديني أو دنيويّ عاجلي أو آجلي
مفتقر إلى العلوم الشرعية والمعارف الدينية، وهي متوقفة على العلم بكتاب الله.
والكلام هنا عريض تكفّل بجمعه أئمتنا رضي الله عنهم.
وإنما ذكرتُ في هذا المجموع بعض ما يحتاج إليه بعد تقرير قاعدة، وهي
أن كل من وَضَع من البشر كتاباً فإنما وضعه ليُفْهَمَ بذاته من غير شرح، وإنما
احتيج إلى الشرُوح لأمور ثلاثة:
أحدها: كمال فضيلة كلام المصنف، فإنه لقوته العلمية يجمع المعاني الدقيقة
في اللفظ الوجيز، فربما عَسُرَ فَهْمُ مراده، فقصد بالشرح ظهور تلك المعاني
الخفية، ومن هاهنا كان شرح بعض الأئمة تصنيفه أدل على المراد من شرح
غيره.
وثانيها: إغفاله بعض تتمّات المسائل، أو شروط لها، اعتماداً على وضوحها، أو لأنها من علم آخر، فيحتاج الشارح لبيان المحذوف ومراتبها.
وثالثها: احتمال اللفظ لمعان، كما في المجاز، والاشتراك، ودلالة الالتزام، فيحتاج الشارحُ لبيان غرض المصنف وترجيحه.
وقد يقع في التصانيف ما لا يخلو عنه بَشَر من السهو والغلط، أو تكرار
الشيء، أو حذف المهم، أو غير ذلك، فيحتاج الشارح للتنبيه على ذلك.
وإذا تقرر هذا فنقول: إن القرآن إنما نزل بلسان عربي في زمان أفصح
العرب، وكانوا يعلمون ظاهره، وأحكامه، أما دقائق باطنه فإنما كان يظهر لهم بعد البحث والنظر مع سؤالهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأكثر، كسؤالهم لما نزل: (وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) الأنعام: ٨٢) ، فقالوا: وأينَا لم يظلم نفسه، ففسره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالشرْك، واستدل عليه بقوله: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣) .