[قاعدة في الإفراد والجمع]
من ذلك السماء والأرض: حيث وقع في القرآنِ ذكر الأرض فإنها مفردة ولم
تجمَع بخلاف السماوات، لثقل جمعها وهو أرَضون، ولهذا لما أُرِيد ذِكْر جميع
الأرض قال: (ومِنَ الأرْضِ مِثْلَهنَّ) .
وأما السماء فذُكرت تارةً بصيغة الجمع، وتارة بصيغة الإفراد لنكتةٍ تليقُ بذلك المحلّ، كما أوضحتُه في أسرار التنزيل.
والحاصل أنه حيث أريد العدد أتيَ بصيغة الجمع الدالة على سعة العظمة، نحو: (سَبَّحَ لله ما في السماوات) ، أي جميع سكانها على كثرتهم، (تُسَبِّحُ له السماوات) ، أي كلّ واحدة على اختلاف عددها.
(قل لا يَعْلَم مَنْ في السماواتِ والأرْضِ الغَيْبَ إلاَّ الله) ، إذ المراد نَفْيُ علم الغيب عن كلِّ مَنْ هو في واحدة من السماوات.
وحيث أريد الجهة أتي بصيغة الإفراد، نحو: (وفي السماء رزْقُكم) .
(أأمنْتم مَنْ في السماءِ أنْ يَخْسفَ بكم الأرض) ، أي من فوقكم.
ومن ذلك الريح حيث ذكرت مجموعة ومفردة، فحيث ذُكِرت في سياقِ
الرحمة جمعت، أو في سياق العذاب أفردت.
وأخرج ابن أبي حاتم وغيره عن أبيّ بن كعب، قال: كل شيء في القرآن من
الرياح فهو رحمة، وكل شيء فيه من الريح فهو عذاب.
ولهذا ورد في الحديث: " اللهم اجعلها رِياحاً ولا تجعلها رِيحاً ".
وذكر في حكمةِ ذلك أنَّ رِياحَ الرحمة مختلفة الصفات والهبات والمنافع، وإذا هاجَتْ منها رِيح أثير لها من مقابلها ما يكسر سَوْرتها، فينشأ من بينهما ريحٌ لطيفة تنفَعُ الحيوان والنبات، فكانت في الرحمة رياحاً، وأما في العذاب فإنها تأتي من وَجْهٍ واحد، ولا معارض لها ولا دافع.