يقول الله عز وجل: الآنَ جئتنا حين ضعفَتْ مفاصلك.
الآن وقد ذهبت قُوّتك.
الآن وقد نفد عمرك.
الآن وقد قَسا بالمعاصي قَلْبك.
الآن وقد ضاع في البطالة وقْتك.
هذا لمن تاب، فكيف حال مَنْ هو في قَفص الطبع محجوب
عن العتاب، نعقد عقدة التوبة بخيط العنكبوت ظاهراً وباطناً، نتلذّذ بها، فكيف لا نحلها، لو صدقت التوبة منا لوجدنا مرارتها، كما وجدنا حلاوتها، إلهي التوبة لا تدوم لي، والمعصية لا تنصرف عني، ولا أدري بِمَ تختم لي، غير أنَّ عفوك ورجاءك أطمعني أن أسألك ما لا أستَوْجِبه منك، فهب لي منك توبةً باقية، واصرف أزمة الشهوات عني، وحقّقني بحقيقة الإيمان، وأعنّي على نفسي والهوى والشيطان، بحرمة سيدنا ونبينا ومولانا سيد الثَّقَلين صلى الله عليه وعلى آله ما اختلف الْمَلَوان.
(فإن أعْرَضوا) :
الضمير لقريش، أي أعرضوا عنك يا محمد فسآخذهم أخذةً شديدةً، مثل أخذ عادٍ وثمود، وقد كانوا أشدَّ منهم قوةً وأكثر أموالاً وأولادا، فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون.
(فإنا بما أُرسِلتُم به كافرون) :
ليس فيه اعتبار الكفار بالرسالة، وإنما معناه بما أرسلتم على قولكم ودَعْوَتكم، وفيه تهكم.
(فالَّذِينَ عِنْد ربِّك) :
يعني الملائكة، ووصفهم بالعندية للتشريف والتكريم، إذ يستحيل في حقه جلّ وعلا التجسيم، المجسم أعمى والمعطل أكمه.
(فحكمه إلى اللَهِ) :
الضمير في المختلف فيه، يعني ما اختلفتم أنتم والكفّار مِنْ أمر الدين الْحُكم فيه إلى الله بأنْ يعاقب المبطل ويُثيب المحق، أو ما اختلفتم فيه من الخصومات فتحاكَمُوا فيه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا كقوله: (فردوه إلى الله والرسول) .
(فإمّا نَذْهَبَن بكَ فإنَّا منهم مُنْتَقِمون) :
يحتمل أن يريد بهذا الانتقام قَتْلهم يوم بَدْر، وفَتْح مكة، وشبه ذلك من الانتقام في الدنيا،