(فلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ) :
تحضيض على التذكّر والاستدلال بالنَّشْأة الأولى على النَّشأةِ الآخرة.
وفي هذا دليل على صحةِ القياس.
(فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) :
لولا هنا عرض، والضمير في (بَلَغَتِ) للنفس، لأن سياقَ الكلام يقتضي ذلك، وبُلوغها الحلقوم حين الموت، والفعلُ الذي دخلت عليه " لولا " هو قوله:
(تَرْجِعونَها) ، أي هلاَّ ردَدْتم النفس حين الموت.
ومعنى الآية: احتجاجٌ على البشر، وإظهارٌ لعجزهم، فإنهم إذا حضر
أَحدَهم الموتُ لم يقدروا أن يردّوا رُوحَه إلى جسده، وذلك دليلٌ على أنهم
مقهورون تحت قدْرته، (وهو القاهِر فوق عباده) ، والمقهور لا يقدر على شيء، وذلك أشدُّ لحسرته.
(فَسَلاَم لكَ مِنْ أصحابِ الْيَمِين) :
معنى هذا على الجملة نجاة أصحابِ اليمين وسعادتهم.
والسلامُ هنا يحتمل أن يكون بمعنى السلامة أو التحية.
والخطابُ في ذلك يحتمل أن يكون للنبي - صلى الله عليه وسلم -، أو لأصْحَابِ اليمين.
فإنْ كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - فالسلام بمعنى السلامة.
والمعنى سلامٌ لك يا محمد منهم، أي لا ترى فيهم إلا السلامة من العذاب.
وإن كان الخطابُ لأصحاب اليمين فالسلام بمعنى التحية.
والمعنى سلام لكَ، أي تحية لك يا صاحب اليمين من إخوانك، وهم أصحاب اليمين، أي يسلِّمون عليك فهو كقوله: (إلا قِيلاً سَلاماً سلاماً) .
أو يكون السلام بمعنى السلامة، والتقدير سلامة لك يا صاحبَ اليمين، ثم يكون قوله: (مِن أصْحَاب اليمين) - خَبر ابتداء مضمر، تقديره أنت من أصحاب اليمين.
فهنيئاً لكَ يا محمديُّ بما منحكَ اللَّهُ من هذه التحية التي حيَّا بها أنبياءَه
وأصفياءَه في قوله لنوح: (اهبِطْ بسلامٍ منَّا) .
ولإبراهيم: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) .
حياك في الدنيا بقوله: (وسَلامٌ على عباده الذين اصْطَفى) .