وقوله: (خَيْر من اللَّهْوِ ومن التجارة) قدم اْللَّهوْ، ليبين أنَّ ما عند الله خير
من اللهو، وأنه أيضاً خير من التجارة التي هي أعظم منه، ولو عكس كل واحد من الموضعين لم يحسن.
فإن قلت: لِمَ قال - صلى الله عليه وسلم - في المتخلفين والمنفضّين: لولا هؤلاء لعذبوا بالحجارة، وهل ذلك خاصّ بالجمعة أو بسائر الصلوات لو تخلفوا عنه، ولِمَ قال في الجمعة: (فاسعوا إلى ذكر الله) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة ائتوها وعليكم السكينة
والوقار بغير سرعة؟
فالجواب لما جهلوا قَدْرَ هذا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عذبوا لولا أنَّ الله دفع عنهم بمن عرف حقَّ الله وحق رسوله، كما قال تعالى: (ولولا دَفْعُ الله الناسَ بعضهم ببعض) ، وهذا خاصّ بالجمعة، لأنها عملٌ وذكر، وهو الخطبة، وسائر الصلوات عمل، ولذلك تُسمَّى يوم الجمعة عند أهل الجنة يوم المزيد، يزدادون فيه جمالاً وحسناً كما يزدادُ أهلُ الدنيا هرماً وضعفاً، وتُعْرَفُ عند أهل السماء بيوم الخير، وعند أهل الكتاب يوم التوبة، وعند أهل الزَّبُور بسيِّد الأيام، وفي الفرقان يوم الجمعة، قال - صلى الله عليه وسلم -: يوم الجمعة حَجّ المساكين، لأنه يشبه الحج لإتيان المكلَّف
إليها بعد النداء، كالحج: وأذِّن في الناس، وإذا نُودي للصلاة.
وفي الغسل لها، كما يغتسل للحج، وزادت الجمعة بإباحة الطيب والتزيُّن والخطبة التي كانت في الحج يوم عَرفة.
ولما حرم الصيد في الإحرام وأبِيح بعده حرّم البيع والشراء عند
صلاة الجمعة، وأبيح بعدها، وابتغاء الفضل كما في مريد الحج، قال تعالى: (ليس عليكم جُنَاح أن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ ربكم) ، ويسعى إليها من بعيد، كما يسعى إلى الحج من كل فَجّ عَمِيق، وأمِر المكلف بالذكر بعد الفراغ منها، كما أمر الحاج به في قوله: (فاذكُروا الله كذِكْرِكم آباءَكم) .
وقال في الحج: (فإن خَيْرَ الزَّادِ التقوى) .
وقال في الجمعة: (قُلْ ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة) .
والإجماعُ على أنَّ يوم الجمعة أفضلُ من يوم عرفة للحديث: "خَيْرُ يوم
طلعت عليه الشمسُ يوم الجمعة، فيه تقوم الساعة، وفيه - خُلق آدم.
.. الحديث.
(مَنْ يُؤْمِن بالله يهْدِ قَلْبَه) :
قيل معناه من يؤمن بأنّ كل