وردَّ تعلقهم، لأن المعنى أنَّ نوحاً عليه السلام لم يعلم هل هم ممَّنْ
يؤخر أو ممن يعاجل، ولا قال لهم إنكم تؤخرون عن أجل قد جاء، لكن سبق في الأزَل أنهم إما ممن قضِي له بالإيمان والتأخير أو ممن قضِي له وعليه بالكفر والمعاجلة، فكان الاحتمال يقتضيه ظاهر الآية إنما هو يبرزه الغَيْب من حالهم، إذ يمكن أن يبرز إما الإيمان والتأخير وإما الكفر والمعاجلة، وأمَّا ما عند الله فالحال الذي يكون منهم معلوم مقدَّر محتوم، وأجلهم كذلك معلوم مقدَّرٌ محتوم.
فإن قلت: ما المانع من كون (من) للغاية، أعني الابتداء والانتهاء.
كقولك: أخذت المالَ - من الصندوق؟
والجواب لا يصح هنا، لأنَّ الصندوق غير مأخوذ، بل مأخوذ منه، فيلزمِ
هنا أن تكونَ الذنوب غير مغفورة، ونقل عن أبي الربيع أنه إشارة إلى أنّ
الإسلامَ يحبط ما قبله.
وردّ بأنه يلزم صدق الذنوب على الماضي والمستقبل، لأن
الخطابَ للكفار، فيلزم المجاز، لأن الآتي لم يعملوه، فكيف يصدق عليه أنه
ذنوب قبل الفِعْل.
ونقل عن ابن عصفور أنه قال: يغفر لكم جملةً من ذنوبكم.
ورد بأن تلك الجملة بعض الذنوب، فلا حاجةَ إلى تقديرها، ولفظة من النائبة مناب بعض يغني عنها.
فتأمل يا محمديّ هذه العناية الربانية بكَ حيث خاطب هذه الأمّة، قال في
حقهم: (يغْفِرْ لكم ذنوبكم) ، وحيث خاطب الأمم المتقدمة أنبياؤهم خاطبوهم بالبعض، لتعلم الفَرْقَ بين خطاب المولى الكريم من خطاب عبيده.
(يقول سَفِيهنَا على الله شَطَطاً) :
هذا من كلام الجنّ، والمراد بالسفيهِ أبوهم إبليس.
وقيل هو اسْمُ جنس لكلّ سفيهٍ منهم، وهو المختارُ عند ابْن عطية.
(يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ) :
الضمير يعود على العرب، لأنهم كانوا إذا حلَّ أحدهم بوادٍ صاح بأعْلَى صوته: يا عزيز هذا الوادي، إني أعوذ