ولما كان مقصود الآيتين الأخيرتين إنما هو ذِكرُ الامتنان عليهم بهدايتهم
بعد الضلال الذي كان وُجِد منهم والتعريف بإجابة دعوة إبراهيم عليه السلام أخر ذِكزَ تعليمهم الكتاب والحكمة المزيلين لضلالهم، ليكونَ تلوهم ذِكْر الضلال الذي أنقذهم الله منه بما علمهم وأعطاهم وامْتَن عليهم، وهو ثاني المسببين، فكان الكلام في قوةِ أن لو قيل: ويعلمهم ما به زوَالُ ضَلاَلِهم.
وأخَّر في هاتين الآيتين ذكرَ السبب ليوصل بذكر مسببه الأكيد هنا الذي
قد كان وقع، وهو رفع ضلالهم وانقيادهم من عظم مِحْنته، ولو أخَّر ذِكْرَ
التزكية لما أحرز هذا المعنى المقصود هنا، فاختلافُ الترتيب إنما هو بحسب
اختلافِ القصدين ودَفْع ما ذكر، فورد على ما يجب.
(يَلْحَقوا بهم) :
معطوف على آخرين، أي لم يلحقوا بهم.
واختلف مَنْ هم الآخرون، والصحيح الذي ورد في الصحاح أنهم أهلُ فارس، لأنه - صلى الله عليه وسلم - سُئل عنهم، فأخذ بيدِ سلمان، وقال: لو كان العلم بالثريا لناله رجال من هؤلاء، يعني فارس.
وقيل: هم الروم، و (منهم) على هذين القولين يريد في البشرية وفي الدين لا في النسب.
وقيل: هم أهلُ اليمن وقيل هم التابعون وقيل هم سائر المسلمين.
(يحْسَبُون كُلَّ صَيْحةٍ عليهم هم العَدُوُّ) .
عبارة عن شدة خوفهم من المسلمين، وذلك أنهم كانوا إذا سمعوا صياحاً ظنوا أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتلهم، وفي هذا دليل على أنه كان يعلمهم.
(يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ) :
الضمير يعود على المنافقين، يعني أنهم يميلونها إعراضاً واستكباراً.
وسببُ نزول هذه السورةِ ما جرى في غَزْوَة بني الْمُصْطلق بين جَهْجاه بن
سعيد أجير عمر بن الخطاب وبين سنان الجُهني حليف لعبد اللَه بن أبيّ بن سلول رأس المنافقين على الماء الذي وقع الزحام فيه، فلطم جَهْجَاه سناناً فغضب سنان، ودعا بالأنصار، ودعا الجَهْجَاه بالمهاجرين، فقال عبد الله بن أبَيّ: والله ما مثلنا