(مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ) .
ضمير الغيبة يعود على بني النضير، وذلك لكثرة عدتهم ومَنَعة حصونهم.
فأخذهم الله ولم تغْنِ عنهم من الله شيئاً.
(مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) .
نزلت بسبب الفيء.
يعني ما آتاكم من الفيء فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا، فكأنها أمر للمهاجرين بأخذ الفَيْءَ، ونهي للأنصار عنه، ولفط الآية مع ذلك عامّ في أوامره ونواهيه - صلى الله عليه وسلم - ولذلك استدل بها عبد الله بن مسعود على المنع مِنْ لبْس المخيط على الحُرُمِ، ولعن الله الواشمَة وغيرها لوروده عنه - صلى الله عليه وسلم -.
(كَمَثَلِ الذين مِنْ قَبلهم قَرِيباً ذَاقوا وَبَالَ أمْرِهم) .
أي هؤلاء اليهود كمَثَلِ الذين مِنْ قَبْلهم - يعني اليهود من بني قَيْنقاع، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَجلاهم عن المدينة قبل بني النضير، فكانوا مثلاً لهم.
وقيل يعني أهلَ بَدْر الكفار، فإنهم قبلهم، ومثَلٌ لهم في أن غلبوا وقهروا.
والأول أرجح، لأنَّ قوله: (قريباً) - يقتضي أنهم كانوا قبلهم بمدة يسيرة.
وذلك أوقع على بني قَيْنقاع.
وأيضاً فإن تمثيل بني النضير ببني قينقاع ألْيق لأنّهم
يهود مثلهم، وأخرجوا من ديارهم، كما فعل بهم، وذلك هو المراد بقوله: (ذاقوا وبال أمرهم) .
(كمثل الشيطان ... ) .
مثَّل الله المنافقين الذين أغْووا اليهود من بني النضير تم خذلوهم بعد ذلك بالشيطان، فإنه يَغْوِي ابن آدم ثم يتبرأ منه، والمراد بالشيطان والإنسان هنا الجنس.
وقيل: أراد الشيطان الذي أغوى قريشاً يوم بدر، وقال لهم: (إني جاز لكم) .
وقيل المراد بالإنسان برصيص العابد، فإنه استودع امرأة فزيَّن له الشيطان
الوقوع عليها، فحملت فخاف الفضيحة، فزيَّن له الشيطان قَتْلها، فلما وُجِدتْ مقتولة تَبَيَّن فعله، فتعرّض له الشيطان، وقال له: اسجد لي وأنجيك، فسجد له وتبرَّأ منه.
وهذا ضعيف في النقل.
والأول أرجح.