(ما أصاب مِنْ مصِيبةٍ في الأرض ولا في أنْفُسكم) .
معناها أنَّ الأمور كلها مقدَّرة مكتوبة في اللوح المحفوظ من قبل أن
تكون.
قال - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ الله كتب مقادير الأشياء قبل أن يخلق السماوات بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء.
والمصيبة هنا عبارة عن كل ما يُصيب من خير أو شر.
وقيل أَراد به المصيبة في العُرْف، وهو ما يصيب من الشر، وخص ذلك
بالذكر، لأنه أهم على الناس.
فانظر هذا اللطف العظيم من هذا الرب الكريم في
دعاء عباده بهذه الآية إلى إراحة أنفسهم شفقةً عليهم وهي قطب دائرة العبادة
عليه، ومدارها، وهو ثبات الباعث عليها، ألا ترى ما وعدهم به من الأجر على الصبر على المصائب مع ما في الرضا بها من الراحة والسلامة، وما في الجزع من الهمِّ والغمِّ والعقوبة، وكيف يسخطُ الجاهل بعواقب الأمور، وإنما أجهلك بها لتسأله أَنْ يختارَ لك ما لا تختاره لنفسك، إذ هو عالم بما يصلح لك، والكلام على هذه الآية طويل تكفّل بجمعه علماء أجلة كالغزالي وابن عطاء الله والقشيري وغيرهم، جزاهم الله عنَّا ما هو أهله.
فإن قلت: قد فصل في هذه الآية مصائب الأرض، كالزلازل والقحوط.
وفي أنفسكم بالمرض والموت والفقر، وأجمل في التغابن، فما الحكمة؟
فالجواب إنما فصل فيها موافقة لما قبلها، لأنه فصَّل في سورة الحديد أحوال
الدنيا والآخرة بقوله: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو) .
فناسب ذلك التفصيلُ التفصيلَ في الآية.
وأما سورة التغابن، فناسب الإجمال الوارد فيها من ذلك المشترك، وتحصَّل نظم السورتين على أَتَمِّ مناسبة.
فإن قلت: ما لنا نفرح بالخير ونجزع من الشر، وقد قال تعالى: (لكيلا تَأسوْا على ما فاتَكمْ ولا تَفْرَحوا بما آتاكم) .
وقد قال أبو بكر - رضي الله عنه - لما أوتي بمال كثير: اللهم لا نستطيع أن نفرح إلاَّ بما زيَّنت لنا.
وقد حثى أيوب من الجراد الذي سقط عليه، فقال الله له: ألم يكن فيما أبليتك - أي أعطيتك - غِنًى عن هذا، فقال: بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركاتك.