لكن نسأله سبحانه أن يهَبَ لنا نُور التنبيه من ظلمة هذه النفس، فيظهر لنا
بمجيئها وقبيح ذَنْبها، فنقلع في الحال، ونعزم على ألاَّ نعود في الاستقبال.
ونبحث على ما خفي من دسائس النفس، ونستعد للمنازلة في الرَّمْس، ونشمِّر للمعاملة في المحبة، ونطلب ممن نظر في هذا الكتاب بالدعاء إلى العبادة ظاهراً وباطناً فإنما نحن به وله.
(سنَسِمه على الخرْطوم) :
أصل الخرطومٍ أتف السبع، ثم استعير للإنسان استخفافاً به وتقبيحاً له، والمعنى نجعل له سِمَة، وهي العلامة على خرطؤمه.
واختلف في هذه السِّمَة، فقيل: هي الضربة بالسيف يوم بَدْر.
وقيل علامة من نار تجعل على أنْفه في جهنم.
وقيل علامة تُجعل على أنفه يوم القيامة لِيعرف بها، كما يجعلون أهل الدنيا لمواشيهم علامة يعرفونها بها.
(سَلْهم أَيّهم بذلكَ زَعِيم) :
قد قدمنا أنَّ الزعيم الضامن.
ومعناها: سَلْ يا محمد قريشاً أنهم زَعِيمٌ بذلك الأمر.
(يَسْأمُ) : يسأم، أي يمل، ومنه: (وهم لا يسْأمون) ف.
[(سبب) :]
له خمسة معان: أحدها الحَبْل، وقد تقدم.
والاستعارة من الحبل في المودة والقرابة، ومنه: (وتقطَّعَتْ بهم الأسباب) .
والطريق، ومنه: (فأتْبَع سَبَباً) .
وسبب الأمر: موجبه.
(ساق) :
ما بين القدم إلى الركبة، وأما قوله: (يوم يُكْشَفُ عن ساق) .
فقد قدمنا أن ذلك عبارة عن هَوْل يوم القيامة وشدَّته.
وفي الحديث الصحيح أنه قال: " ينادِي منادٍ يوم القيامة لتتبع كلّ أمة ما كانت تعبد، فيتيع الشمسَ مَن كان يعبد الشمس، ويتبع القمر مَن كان يعبد القمر، ويتبع كلّ أحد ما كان يعبد، ثم تبقى هذه الأمة وغبَّراتٌ من أهل الكتاب معهم منَافِقوهم، فيقال لهم: ما شأنكم، فيقولون: ننتظر ربنا.
قال: فيجيئهم اللَّهُ في غير الصورة التي عرفوه، فيقول: أنا ربُّكم.
فيقولون: نعوذ باللهِ منك.
قال: فيقول: أتعرفونه بعلامة ترونها، فيقولون: نعم، فيكشف لهم عن ساق،