بعدم العقل، وآية لقمان بكثرة الجهل وقلةِ العلم، لأن المراد منها
الاستدلالُ بهذا الْخَلق العظيم وما هو عليه من جليل التناسب، وإتقان الصنعة وإحكامها من غير تفاوت ولا فطور.
(والذين جَاهَدُوا فِينَا) .
يعني جهاد الأنفس في الصبر على إذاية الكفار، واحتمال الخروج عن الأوطان، وغير ذلك.
وقيل: يعني القتال، وذلك ضعيف، لأن القتال لم يكن مأموراً به حين نزول الآية.
(وإنَّ الله لَمَع الْمُحْسنين) .
أي بنصره ومعونته، وانظر كيف أكَّده بأن واللام ليعلمك أنه سبحانه لا يسلمه لمن أراده بسوء، وكيف لا وقد أكرمه الله بالمحبة بقوله: إن الله يحب المحسنين، والأمن: (ما عَلَى المحسنين مِنْ سبيل) ، وهو محسن.
والرحمة: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) .
فإن قلت: ما معنى الإحسان؟
فالجواب أن هذا المقام لم يحصل إلا لأرباب العقول.
وفي الحديث: " إن كتب الإحسان على كل شيء ".
والإحسان ثالث المقامات.
وقد فسره - صلى الله عليه وسلم - بقوله: " أن تعبد الله كأنكَ تراه.
فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".
فيا ليت شعري، هل بقي منهم في هذا الرَّبْع أنيس به أو ملجأ يسند إليه! ما أرى النفوس إلا قد ماتت بحب الدنيا، ويا ليتنا نلْناها، والقلبُ مات مِنْ حبّ المولى، فمتى يحيا أهلُ الإحسان أحيا الله قلوبَهم بحبه، وأماتوا نفوسهم من حبّ ضده، ونحن على الضد.
قيل لحاتم الأصم: ما علامةُ حياة القلب؟
قال: وجْدَان اللذة من الطاعة، ووجدان الألم من المعصية، فَزِنْ بهذا الميزان نَفْسك وقَلْبك يتضح لك ما ذكرت.
قال حاتم الأصم: نفس المؤمن ضيعته، وقلبه أرضه، والإخلاص ماؤه، والحكمة بذْره، والشهوات حشيشته التي تغيره، والعبودية غلّته، والدنيا سفَرةه، والأيام منازله، والقيامة سوقه، والملك مشتراه، والجنة ثمنه، فنحن بعْنا ونقضنا، (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) .