[ائتلاف اللفظ مع اللفظ وائتلافه مع المعنى]
الأول: أن تكون الألفاظ يلائم بعضها بعضاً، بأن يقرَن الغريب بمثله.
والمتداوَل بمثله، رعاية الفاصلة لحسن الجواب والمناسبة.
والثاني: أن تكون ألفاظ الكلام ملائمة للمعنى المراد، فإن كان فخما كانت
ألفاظه فخمة، أو جزلاً فجزلة، أو غريباً فغريبة، أو متداولة فمتداولة، أو
متوسطاً بين الغرابة والاستعمال فكذلك.
فالأول كقوله تعالى: (تاللهِ تَفْتَأ تذكرُ يوسفَ حتى تكونَ حَرَضاً) .
أتى بأغرب ألفاظ القسم وهي التاء، فإنها أقل استعمالاً، وأبعدُ
من أفهام العامة بالنسبة إلى الباء والواو، وبأغرب صيغ الأفعال التي ترفع الأسماء وتنصب الأخبار، فإن " تزال " أقرب إلى الأفهام، وأكثر استعمالاً منها، وبأغرب ألفاظ الهلاك وهو الحرض، فاقتضى حسنُ الوضع في النظم أن تجاور كل لفظة بلفظة من جنسها في الغرابة تَوَخيا لحسن الجوار ورغبة في ائتلاف المعاني بالألفاظ، ولتتعادل الألفاظ في الوضع، وتتناسب في النظم.
ولما أراد غير ذلك قال: (وأقسموا باللهِ جهْدَ أيمانهم) .
فأتى بجميع الألفاظ متداولة لا غرابة فيها.
ومن الثاني قوله تعالى: (ولا ترْكَنُوا إلى الّذينَ ظلمُوا فَتَمَّسكُم النارُ) .
لما كان الركون إلى الظالم، وهو الميل إليه، والاعتماد عليه، دون
مشاركته في الظلم.
وجب أن يكون العقاب عليه دون العقاب على الظالم، فأتى
بالمَسّ الذي هو دون الإحراق والاصطلام.
وقوله: (لها ما كَسَبَتْ وعَليها ما اكتسبَت) .
أتى بلفظ الاكتساب المشْعِر بالكلفة والمبالغة في جانب السيئة لثقلها.
وكذا قوله: (فكبْكبُوا فيها هم والغَاوُونَ) ا.
فإنه أبلغ من كبّوا للإشارة إلى أنهم يكبون كَبّاً عنيفاً فظيعاً