وأشد، لأن فيه ذبْحَها، وهذا لا يقدر الإنسان عليه، لأنها محترمة، فكيف
تُذْبح لولا ما أباح الله لنا ذلك.
(ما لا تعْلَمُون) :
يعني أن مخلوقات الله لا يحيط البشر بعلمها، وكل من ذكر في هذه الآية شيئاً مخصوصا، فهو على وجه المثال.
قال بعض العلماء: كنت يوماً أتصيَّد في البرية، فقامت بين يديّ هائشة عظيمة كالرحا، ولها أرجل كثيرة.
قال: فشددت عليها حتى كدت أن أدركها فانفتلت
إليَّ، وقالت بلسان طَلْق: ما تريد؟ ، ما تريد؟ فقلت لها: من أنت، فقالت: من الذين قال الله فيهم: (ويَخْلُقُ ما لا تَعْلَمون) ، فولّيْت عنها.
(مخْتَلِفاً ألوانُه) :
قال الزمخشري: مختلف الهيئات والمناظر.
وقال ابن عطية: أي أصنافه، كقولك: ألوان من التمر، لأن المذكورات
أصناف عدّت في النعمة والانتفاع بها على وجوه، ولا يظهر إلا من حيث تلوّنها حمرةً وصفرة وغير ذلك.
ويحتمل أن يكون تنبيهاً على اختلاف ألوانها حمرة وصفرة.
قال: والأول أبين.
وفي الآية رد على الطبائعيين، لأن أفعال الطبيعة لا تختلف، فبطل كَوْن الأرض تفعل بطبعها.
(ماءً لكم) :
يحتمل أن يتعلق بأنزل، أو يكون في موضع
خبر لشراب، أو صفة لماء، فسبحان اللطيف بعباده.
وانظر كيف قدم المجرور لشرف خَلْقها وعظمها، وقدم الزرع لعموم الحاجة إليه من الحيوان العاقل وغيره، وقدم الزيتون على التمر، لأنه مما يؤْتدَم به، فهو مكمل للقوت، والتمر مما يتفكه به، فهو تزييني، فكان أدون، لأنه زائد على القوت غير مكمل به.
وقدم التمر على العنب لأن الخطاب لأهل الحجاز، وليس بأرضهم إلا التمر، فهو عندهم أشرف من العنب، لأن محبة الإنسان لما تعاهد ورُبِّي عليه أقوى من محبته لغيره، فالترتيبُ في هذه على هذا جهة العدل.
فإن قلت: لم جمع العنب وأفرد التمر، وأفرد في الآية الأولى والأخيرة وجمع
الوسطى، وختم الأولى بالتفكير والثانية بالعقل والثالثة بالتذكير؟