والجواب: إنما ذلك في عوامهم، وأما رؤساؤهم فيعرفون وجودَ الإله، وإن
كانوا معاندين في ذلك.
(وما أرسلنا مِنْ قبلك إلا رجالاً نُوحي إليهم) .
الآية: تدل على تخصيص الرسالة بالرجال، فيحتج به مَن قال إن مريم ليست بنبيَّة.
ويجاب بأن الآية إنما اقتضَتْ تخصيصَ الرجالَ بالرسالة بالنبوءة، وإما بأنَّ قوله
" بالبينات " متعلق بأرسلنا.
(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) :
قد قدمنا أن المراد بالذكر القرآن، يعني إمّا بسَرْدِك عِلْم آياته، وإما بتفسيرك الجمل وشرح ما أشكل منه، فيدخل فيه ما بيَّنَتْه السنَّة من أمر الشريعة، فعلى الأول المراد بالناس أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وإن أراد ما بينَتْه السنَّة فالناسُ عامة.
وانظر قوله: (لعلهم يتفكرون) .
والتفكر إنما يكون من العلماء.
فإن قلت: المبين بعد المبين، وأنزل يقتضي الإجمال، وإنزاله دفعة واحدة.
ونزل يقتضي التنجيم حسبما ألمَّ به الزمخشري في أول خطبة كتابه، والقرآن نزل أولاً دفعةً إلى سماء الدنيا، ثم نزل منها منجما، فأنزل قبل نزل، وجاءت الآية على العكس، وهو أن بيان ما نزل يقع بإنزال الذكر، فجعل متعلق أنزل بمتعلق نزل؟
والجواب: ما قدمناه: أن متعلق أنزل راجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومتعلق نزل راجع لأمته، فأنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - جملة، ليبين بها ما نزل على أمته مفَصَّلاً منَجَّماً.
(وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا) ، أي دائماً.
وانظر هل أراد بالدين الطاعة أو الجزاء، وقد قال الزمخشري في قوله تعالى: (مالك يَوْم الدين) إنه يوم الجزاء.
وفي الآية دليل لمن حكى الإجماع على منع الردة في الْخَلْق كلهم.
فإن قلت: قوله تعالى أولاً: (وله ما في السماوات) ، أتَتْ