ولا يضرّه، فالذي أضافكَ إليه مع عصيانك أتراه لا يرزقك، أو إن رجَعتَ
إليه لا يَقْبَلك، أو إن استغفرته لا يغفر لك، كلا، والله، بل يقبلك على ما
فيك من العيوب، فسبحان مَنْ خلق الْخَلق ليرزقهم، ويظهر قدرته فيهم.
ويُميتهم ليظهر قَهْرَه، ويُحْييهم ليظهر جلالته، ويدخلهم جنّتَه ليظهر فَضْله، ويعذبهم ليظهر عدله فيهم ونِقْمته، (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣) .
(عَطَاءً حِسَاباً) :
أي كافياً، من أحْسَبَه الشيء إذا كفاه.
وقيل معناه على حسب أعمالهم.
ويقال أصل هذا أن تعطيه حتى يقول حَسْبي حسبي، فهناك أعطاهم بغير حساب.
وفي موضع قال: (كَفى بنَا حاسِبِين) .
وهم العاملون بالفَضْل.
وفي موضع قال: (كفى بنفسك اليومَ عليك حَسِيباًَ) .
وهم مَنْ أراد اللَّهُ أن يعامِلهم بالعدل.
(عَسْعَس) : من الأضداد.
ويقال عسعس الليل: أقبل ظلامه في أوله، وقيل في آخره.
وهذا أرجح، لأنَّ آخر الليل أفضله، ولأنه أعقبه بقوله: (والصبح إذا تنَفَّس) ، أي استطار واتسع ضَوْءه.
(عَدَّلك) ، بتشديد الدال: قوَّم خَلْقك، وبالتخفيف: صرفك إلى ما يشاء من الصورة في الْحُسْن والقبْح، والطول والقصر، والذكورة
والأنوثة، وغير ذلك، من اختلاف الصور.
وبالجملة فابن آدم من أكرم المخلوقات في تعديل صورهم في أيديهم، والمشي
على أرجلهم، وانتصاب قامتهم، وتركيب أجسادهم، والعلم والعقل، والأكل باليمين، وسَتْر العورة، واللباس، والرجال باللّحى، والنساء بالذوائب.
فتأمَّلْ يا ابن آدم في هذه الكرامات التي أكرمك بها، وأضافك بالكرامة
إليه، في قوله: (ما غَرَّكَ بربِّكَ الكريم) .
وإلى رسوله في قوله: (إنه لقَوْلُ رسولٍ كريمٍ) .
وإلى كلامه في قوله: (إنه لقرآن كريم) .
وإلى مدخل رحمته: (وندخلكَم مدْخَلاً كريماً) .
وإلى تفصيل