للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعضائك من عَظْم ولحم، ومخ وعصب وعروق ودم، وجلد وظفر وشعر، كل واحد منها لحكمة، لولاها لم يكن الجسد بحسب العادة، فالعظائم منها هي عمود الجسد، فضمّ بعضها إلى بعض بمفاصِلَ وأقْفال من العضلات والعصب - ربطت بها، ولم يجعلها عظماً واحداً، لأنك ترجع مثل الحجر، ومثل الخشبة، لا تتحرك، ولا تجلس ولا تقوم، ولا تركع ولا تسجد لخالقك، وجعل العصب على مقدار مخصوص، ولو كان أقواها هو لم تصحّ عادة حركةِ الجسم، ولا تصرّفه في منافعه، ثم خلق الله تعالى المخَّ في العظام في غاية الرطوبة، ليرطب يَبس العظام وشدّتها، ولِتَقْوى العظام برطوبته، ولولا ذلك لضعفت قوّتها، وانخرم نظام الجسم لضعفها بحسب مجرى العادة.

ثم خلق اللحم، وعبّأه على العظم، وسدّ به خللَ الجسد كله، فصار مستوياً لحمة واحدة، واعتدلت هيئة الجسد به، واستوت.

تم خلق العروق في جميع الجسد جداولَ لجريان الغذاءَ فيها إلى أركان الجسد.

لكلّ موضع من الجسد عددٌ معلوم من العروق صِغَاراً وَكباراً، ليأخذ الصغير

من الغذاء حاجَته والكبير حاجتَه.

ولو كانت أكثر مما هو عليه أو انقص، أو على غير ما هي عليه من الترتيب - ما صحَّ من الجسد بحسب العادة شيء.

ثم أَجْرَى الدمَ في العروق سيّالاً خاثراً، ولو كان يابسا أو أكثف مما هو عليه لم يَجْرِ في العروق.

ولو كان ألطف مما هو عليه لم تتغذ به الأعضاء.

ثم كسا اللحم بالجلد، ليَسترَه كلَه، كالوعاء له.

ولولا ذلك لكان قشرا أحمر.

وفي ذلك هلاكه.

تم كساه الشعر وقاية للجلد وزينة في بعض المواضع.

وما لم يكن فيه الشعر جعل له اللباس عوضاً منه، وجعل أصوله مغروزة في اللحم ليتمَّ الانتفاغ ببقائه وَلِين أصوله، ولم يحعلها يابسة مثل رؤوس الإبر، إذ لو كانت كذلك لم يَهْنِه عَيْش.

وجعل الحواجبَ والأشفار وقاية للعين، ولولا ذلك لأهلكها الغبار والسقط.

وجعلها على وَجْهٍ يتمكن بسهولة من رَفْعِها على الناظر عند قَصْد النظر، ومن

<<  <  ج: ص:  >  >>