فبالله أيُّهَا الأخ، قُمْ على قدم الاعتذار، واكشف رأس الاستغفار، وناد
بلسان الاضطرار: (رَبَّنَا ظلَمْنَا أنفسنا وإنْ لم تغْفِرْ لنا وتَرْحَمْنَا لنكونَنَّ من
الخاسرين) .
قال بعضهم: بتّ ليلة ألوم نفسي، وأعدّد عليها، ثم نمت، فرأيت كأن
القيامة قد قامت، والناس جَمْع، فجئتُ إلى قوم عليهم ثياب حسنة، ورائحة طيبة، فأردتُ الجلوس معهم، فأخذ بيدي شخص فأزالني، وقال: أين أنت، وما أنت منهم، أين حالك من حالهم، أين نورك من نورهم، فلم أزَلْ اصرف من جمع إلى جمع حتى انتهيت إلى قوم عليهم أطمار رثَّة، ووجوههم مغبرة، فلما رَأوْني قالوا: تقدم إلينا، فأنت من أصحابنا، فعلمت ذُلّي ومقامي، فلزمت الحزن إلى يوم ألقاه.
اللهم إنك أنعمت على هذا العبد بإلزام الحزن قلبه، اخلع علينا بُرد حزن.
حتى أقوم على ساق سبق توبة تكابد الحزن إلى يوم ألقاك بجاه مَنْ أنزلت عليه
هذا الكتاب الشافع المشفّع، الماحل المصدق، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
*******
[الوجه الخامس والثلاثون من وجوة إعجازه (ألفاظه المشتركة)]
وهذا الوجه من أعظم إعجازه، حيث كانت الكلمة الواحدة تتصرف إلى
عشرين وجهاً، وأكثر وأقل، ولا يوجد ذلك في كلام البشر.
وقد صنّف في هذا النوع وفي عكسه - وهو ما اختلف لفظه واتحد معناه -
كثير من المتقدمين والمتأخرين، منهم ابن الجَوْزِي، وابن أبي المعالي، وأبو الحسين محمد بن عبد الصمد المصري، وابن فارس، وآخرون.
قال مقاتل بن سليمان في صدر كتابه المصنف في هذا المعنى حديثاً مرفوعاً: لا
يكون الرجل فقيهاً كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوهاً كثيرة.