وقد قدمنا أنَّ هذه الإضافة خاصة به، كقوله تعالى: (وأنه لما قام عَبْدُ الله) .
(سبحان الذي أسْرَى بعبده) .
فما أشرفها من إضافة، وما ألذّه من خطاب!
(يسْعَى بين أيديهم وبأيْمَانهم) :
الضمير للمؤمنين، يعني أنهم يكون لهم نور يوم القيامة أمامهم ومِنْ خلفهم على قَدْر إيمانهم، منهم مَنْ يكون نوره كالنخلة السَّحُوق، ومنهم ما قرب من قدميه، ومنهم مَنْ يضيء مرة وينطفي، أخرى كالشمعة.
والكافرون والمنافقون لا نُورَ لهم، فيرون المؤمنين الأنوار محدقة فيقولون: (انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا) .
وقيل: إن هذا النور استعارة يرادُ به الهدَى والرضوان.
والأول أصح، لوروده في الصحيح.
(يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ) :
أنى الأمْر إذاَ حان وقتُه، وذِكْر الله " يحتمل أن يريد به القرآن، أو الذّكر، أو التذكير، أو المواعظ.
وهذه آيةُ موعظةٍ وتذكير، قال ابن عباس: عُوتب المؤمنون بهذه الآية بعد ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن، وسمع الفُضَيل بن عياض هذه الآية فكانت سببَ رجوعِه.
وحكي أن عبد الله بن المبارك أخذ العود في صباه ليضربه فنطق بهذه الآية
فكسره ابْنُ المبارك وتاب.
وحكي أنه كان في غار السودان عابد فأتى بعض الشباب بعود وكوز من
الخمر، فجلس بأعلى الغار من غير عِلْم بالعابد، فلما شرع في ضَرْب العود
والسكر قرأ العابد: (ألَمْ يأن للذين آمَنوا) الآية، فسمعه الشابُّ فقال:
بلى، آنَ، وكسر العود والكوز، وخرج فارّا بنفسه، فتبعه العابد، فعرضت له برْكة السودان فمشى على الماء.
قال العابد: فتبعتُه فغرقت، ولم أقدر على اتباعه،