ومنه: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ) .
فإن إنزال الخير مناسب للربوبية وأعاده بلفظ الله، لأن تخصيص الناس بالخير دون غيرهم مناسب للإلهية، لأن دائرة الربوبية أوسع.
ومنه: (الحمدُ لله الذي خلق السماوات والأرض) ، إلى قوله: (ثم الذين كفَروا بربِّهم يَعْدِلُون) .
وإعادته في جملة أخرى أحسنُ منه في الجملة الواحدة لانفصالها، وبعد الطول أحسن من الإضمار، لئلا يبقى الذهن متشاغلا بسبب ما يعود عليه فيفوته ما شرعَ فيه، كقوله: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ) . - بعد قوله: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) .
[النوع الرابع عشر: الإيغال]
وهو الإمعان، وهو خَتمْ الكلام بما يفيد نكتة يتم - المعنى بدونها.
وزعم بعضهم أنه خاص بالشعر، ورُدّ بأنه وقع في القرآن، من ذلك قوله: (يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) .
فقوله بعده: " وهم مهتدون " إيغال، لأنه يتم المعنى بدونه، إذ الرسول مهتد لا محالة، لكن فيه زيادة مبالغة في الحث على اتباع الرسل والترغيب فيه.
وجعل ابنُ أي الإصبع منه: (وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) .
فإن قوله: (إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) زائد على المعنى، مبالغة في عدم انتفاعهم.
(وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠) .
فإن قوله: (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) زائد على المعنى لمدح المؤمنين، - والتعريض بالذم لليهود، وأنهم بعيدون عن الإيمان.
(إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣) .
فقوله: (مِثْلَ مَا) .
إيغال زائد على المعنى لتحقيق هذا الوعد، وأنه واقع معلوم ضرورة لا يرتاب فيه أحد.