(ما أنزلْنَا على قَوْمه مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جنْدٍ من السماء) :
المعنى أن الله أهلكهم بصيْحَةٍ صاحها جبريل، ولم يحتَجْ في تعذيبهم إلى إنزال جنْد من السماء، لأنهم أهون من ذلك.
وقيل المعنى ما أنزل الله على قومه ملائكة رسلاً كما قالت قريش: (لولا
أنزلَ إليه مَلَكٌ فيكونَ معه نذيراً) .
وقالوا أيضاً: (لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) .
فردَّ اللَّهُ عليهم بقوله: (مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ) ، يعني أنَّ نزول الملائكة ِ لغير النبي إنما هو للانتقام منه أو لقَبْض روحه.
وقد جرت حكمة الله أن إيمان خَلْقه إنما يكون نظرياً بالدليل والبرهان، ولو نزلت الملائكة لاضطر خلقه إلى الإيمان به، لأنهم رأوا الحق عياناً، ورأوا المعجزات التي آمن بها الصحابة ولم يروها، فطوبي
لمن رأى صحفاً تُتْلى سوادا في بياض، وآمن بها وصدقها، وكيف لا وقد قال
فيهم - صلى الله عليه وسلم -: " أولئك إخواني حقا".
(ما كُنّا مُنْزِلِين) .
أي ما كُنَّا لننزل جنْدا من السماء على أحد، وبهذا يتبين لك أن لفظ الجند أليق بالمعنى الأول، وكذلك ذكر الصيحة بَعْد ذلك.
فإن قلت: قوله تعالى في الأحزاب: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا) ، وقد أنزل الله خمسة آلاف ملك يوم بَدْر وحنين لنُصْرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
فالجواب أن معناه ما كان يصح في حكمتنا أن ننزل في إهلاك قوم حبيب
جنْداً من السماء، وذلك أن الله عز وجل أجرى هلاك قوم بالريح، وقوم
بالصيحة، وقوم بالغَرَق، بحسب حكمته السابقة.
ولما كان إنزال الجنود من عظائم الأمور التي لا يستأهِلها الكفرة أخذَهم الله بأقلّ الأمور.
ولما جعل الله الملائكة خدّاماً لهؤلاء الأمة المحمدية يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم، ليحظوا بحظ الردّ لحرمة حبيبهم وصفيهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وجعلهم