(قَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ) :
يعني من إجابتك.
وقولهم: (إننا لمُهْتَدون) : وَعْدٌ نَوَوْا إخلافَه، لأنهم رَأوْا تسعَ آيات فلم يؤمنوا.
وقولهم: (يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ) : إما أنْ يكون عندهم غَيْرَ مذموم، لأن السحر كان عِلْمَ أهْلِ زمانهم، وكأنهم قالوا يا أيها العالم.
وإما أنْ يكون ذلك اسماً قد ألِفوا تسميةَ موسى به من أوّل ما
جاءهم، فنطَقُوا به بعد ذلك من غير اعتقاد معناه.
فإن قلت: ظاهِرُ كلامهم يقتضي تكذيبَهم له، وقولهم: (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ)
يقتضي تصديقَه، فما معنى الجمع؟
والجواب أنَّ القائلين لذلك كانوا مكذّبين، وقولهم: (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ)
يريدون: على قولك وزَعمك، فدعا الله موسى فكشفه عنهم فنكثوا عَهْدهم.
(قال يا قوم أليس لي مُلْكُ مِصْر) :
القائل لهذا فرعون، وقصَدَ بذلك الافتخارَ على موسى والتعظيمَ لملكه، ومِصْرُ هو البلد المعروف، وما يرجع إليه، ومنتهى ذلك من نهر الإسكندرية إلى أسوان بطول النيل، فانظر عَقْلَه الفاسد، وبلادَته، حيثُ فخَر بتافِهٍ من الدنيا، ولم يعتبر بمَنْ تقدَّمه من الملوك الذين كانوا أعظَم منه، (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) .
(قال قَرِينُه هذا ما لديَّ عَتِيد) :
اختلف ما المراد بالقرين، هل الشيطان الذي كان يُغْويه، أو الملك الذي يسوقه، أو الملك الذي يتولَّى عذابَه في جهنم، والأولُ أرجح، لأنه هو القرين المذكور بعد، ولقوله: (نُقَيِّضْ له شَيْطاناً فهو له قرين) .
وقوله: (هذا ما لديَّ عتيد) ، أي هذا الإنسان حاضر لديَّ قد استَعَدْتُه ويسَّرته لجهنم، وكذلك المعنى إن قلنا إنَّ القرينَ هو الملك السابق.
وإن قلنا إنه إحدى الزبانية فمعناه هذا العذاب لديَّ حاضر.
ويحتمل أن يكون (ما) في قوله: (ما لديَّ) موصولة، فـ (عَتِيد)
بدل منها، أو خَبَر بعد خبر، أو خبر مبتدأ محذوف، أو تكون موصوفة