(فلْيَعْبدوا رَبَّ هذا البيت) :
هذا إقامة حجةٍ عليهم، واستدعاءٌ لهم، بملاطفة وتذكير بالنعم حيث كان الناسُ يتخطفون مِنْ حَوْلهم، وهم لا يُصيبهم ما أصَاب غيْرَهم، من الأمن وإتيان الرزق إليهم، لحرْمَةِ هذا البيت المعظم عند جميع بني آدم، كأنه يقول لهم: إن لم تعبدوه لما شَرَفكم بالعقل، وجعلكم محبوبين، فاعبدوه لهذا البيت الذي شرَّفكم به، ودفَع عنكم مَنْ قَصد ضرَّكم من جميع الأمم.
(فَسبِّحْ بحَمْدِ رَبِّك) :
قد ذكرنا معنى التسبيح والاستغفار، وأن هذه السورة إعلام من الله لرسوله بقُرْب أجله.
فإن قيل: لم أمره بالتسبيح والْحَمْدِ والاستغفار عند رؤْية النصر والفَتْح.
وعند اقتراب أجله؟
فالجواب أنه أمره بالتسبيح والْحَمْد ليكونَ شُكْرهُ على النصر والفَتْح وظهورِ
الإسلام، وفيه إشارةٌ إلى أنَّ المَرْءَ لا يَختم صحيفَته إلا بخير الأعمال، ويهيئ
زاداً للقاء ربه، ولا يَغْفل كما غفل في أول أجله.
والاستغفار والتَسبيح من أفضل الأعمال، لما فيهما من تَنْزِيه الخالق، وانكسار القَلْب مع الاستغفار، وهو تعالى عند المنكسرة قلوبهم.
(فَرَاش) :
قد قدمنا أنه طير دقيق يتساقطُ في النار ويقْصِدها، ولا يزال يقتحم على المصباح ونحوه حتى يَحْتَرق.
ومنه الحديث: " أنا آخذ بحجَزِكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها تَقَاحمَ الفراش والجنادب.
فإن قلت: قد شبههم في سورة القمر بالجَرَاد المُنْتَشر، وهنا
بالفَراش، فهل بينهما توافق أم لا؟
فالجواب أن بينهما موافَقة على قول بعضهم، قال الفراء: الفَراشُ غوغاء
الجراد، وهو صغِيره الذي ينتشر في الأرض والهواء.
قال بعض العلماء: الناس أول قِيامهم من القبور كالفَراش المبثوث، لأنهم يجيئون ويذهبون على غير نظام،