وقيل إنما سماه ظلة لأنه يتلهب ويصعد من أسفلهم إلى فوقهم.
(ظلمات بعضها فوق بعض) : هذا تمثيلٌ للكفَّار في حيرتهم
وضلالهم، فالظلمات أعمال الكفار والبحر اللجِّيّ صدره، والموج جَهْله.
والسحاب الغطاء الذي على قَلْبهِ.
وذهب بعضهم إلى أنه تمثيل بالجملة من غير مقابلة.
وفي وصف هذه الظلمة بهذه الأوصاف مبالغة، كما أن في وصف النور المذكور قبلها مبالغة.
وأما قوله تعالى - حكاية عن يونس عليه السلام: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) - فهي ظلمة المشيمة، وظلمة
الرَّحم، وظلمة البطن، وظلمة الليل، وظلمة البحر، ففي هذه الآية توحيد، ثم تنزيه، ثم اعتراف.
وفيها ثلاث ظلمات، وثلاثة مفاتيح ظلمة، وثلاث هبات، وثلاثة علوم، وثلاثة أذكار.
وقد وعد سبحانه بنجاة مَنْ قالها.
وروى أنَس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يونس عليه السلام حين نادى في الظلمات ارتفع نداؤه إلى العرش، فقالت الملائكة: هذا صَوْت ضعيف، مِنْ مَوْضِع غرْبة فأغِثْه.
فقال الله تعالى: قد أجبتكم فيه.
قال تعالى: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ) .
وروي أن قارون سمعه، فقال: يا رب، ما هذا
الصوت الغريب، فأخبر بذلك، فبكى رحمة عليه لرحمِه منه، فخفف الله عنه
العذاب (١) .
[تنبيه:]
اجعل أيها العبد دارَ دنيَاكَ كبطن حوت يونس له، فلا تنس فيها ذكر
مولاك، لعله ينْقذك من بحْرِ هواك، لأن يونس كان في ثلاثة غموم، فدعا مرة أَنجَاه الله منها، فكيف لا ينجيك أيها المحمدي إن دعوت به مرارا من غم
القيامة، وغم العقاب والحساب.
ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ما من عبدٍ دعا بهذا في مرضه
إلا غفر الله له.
وإذا تأملت قوله: لا إله إلا أنت - تفهم منه قرْبَ مولانا منه
(١) كلام يفتقر إلى سند صحيح.