وكذلك المؤمن يخاف من غَمّ القيامة، فيسمع النداء: لا تخف فالمراد به
غيرك.
(فَتَنَّاكَ فُتُوناً) ، أي اختبرناك اختباراً حتى ظهر منك أنك
تصلح للنبوءة والرسالة.
وقيل: خلّصناك من محنة بعد محنة، لأنه خلصه من
الذبح، ثم من اليمّ، ثم من القصاص بالقتل.
والفتون يحتمل أن يكون مصدراً أو جمع فتنة.
(فلبثْتَ سنين في أهل مَدْين) :
يعني الأعوام العشرة التي استَأْجَره فيها شعيب لرَعْي الأغنام، فقال له شُعيب في العام الرابع: يا موسى، كلما وُلدت أنثى من الحمْلَان فهي لك في هذه السنة، فكان موسى يُلقي عصاه في الماء، ويسقي الأغنام منها، فولدت كلها أنثى في تلك السنة، فقال شعيب عليه السلام في السنة العاشرة: كلما ولدت ذكورا من الْحُمْلان فهي لك، فولدت في تلك - السنة كلها ذكورا.
فاجتمع له أغنام كثيرة، فرجع مع أهله إلى مصر، فآنس في الطريق ناراً، كما قال الله تعالى، فلما دنا منه الكلِيم صار نوراً، وكذلك نار الخليل لما دنا منها الخليلُ صارت روضة ورحمة.
وكذلك جبّ يوسف كان مملوءاً عفاريت وحيّات، فلما دنا منه الصديق صار رحمةً، وكذلك البحر لما دَنَا منه الكليم صار يبساً، وكذلك القبر موضع الوَحْشة والديدان فإذا نام فيه الحبيبُ صار عليه روضةً من رياض الجنة.
وكذلك يوم القيامة - يوم الحسرة والندامة - فإذا قام فيه الحبيب يصير يوم العز والقربة، والدنوِّ والرتبة.
وكذلك النار موضع الملامة فإذا دخل عليها الحبيب صار موضع إظهار الكرامة.
(فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ) :
ضمير التثنية يعود على موسى وهارون، وضمير الإفراد على فرعون.
يعني أن الله أمرهما بالإتيان إليه ليخْبِراه بالرجوع عما هو فيه، لِمَا في إخبارهما له بإقامة الحجة عليه.
وفي ضمن ذلك دعوتُه إلى الإيمان.
والمرادُ بإرسال بني إسرائيل معهما لإخراجهم عن ملكه، ومن دائرة حكمه.
وفي ذلك تحقير لشأنه وإبطال ما ادَّعاه من السلطان.