بعد، وكان تفصيل الوقت أنها الأحد ويوم الإثنين، كما ذكر فخلق الأرض غير مَدْحوَّة، ثم خلق السماوات فسواهنَّ في يومين، ثم دحا الأرض بعد ذلك، وجعل الرواسيَ وغيرها في يومين، فتلك أربعة أيام للأرض، وهذا معنى قوله تعالى: (والأرض بَعْدَ ذلكَ دَحَاها) .
كلُّ ذلك تعليم لعباده، وإشارةً لهم في التأنِّي في الأمور، لأنه كان سبحانه قادراً على قوله لها: كنْ، فكانت.
وفي الحديث أنه سئل - صلى الله عليه وسلم - عن يوم الأحد، فقال: يوم غَرْس وعمارة، قالوا: كيف ذلك يا رسول الله، قال: لأن فيها ابْتدأ الله خلق الدنيا وعمارَتها.
فإن قلت: بم علق قوله: (للسائلين) ؟
قلت: بمحذوف، كأنه قال: هذا الْحَصرُ لأجل مَنْ سأل في كَمْ خلقت
الأرض وما فيها، أو يقدر فيها الأقوات لأجل الطالبين إليها من المقتاتين.
وهذا الوَجْه الأخير لا يستقيم إلا على طريقة الزجاج.
(فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) :
الضمير يعود على الأمم المذكورة الذين جاءتهم رسلهم بالبينات.
فإن قلت: أي علم عندهم حتى يفْرَحوا به؟
فالجواب أنهم كانوا يفرحون بما عندهم من العلم في ظنّهم ومعْتقدهم من أنهم
لا يبعثون ولا يحاسبون، واغتروا بعلمهم في الدنيا والمعاش، وظنّوا أنه يَنْفَعهم.
وهذا لقول بعضهم: (وما أظنّ الساعةَ قائمة) .
وقيل: أراد علم الفلاسفة والدهريِّين، من بني يونان، وكانوا إذا سمعوا
بوحي الله دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علمهم، وعن سقراط أنه سمع بموسى عليه السلام فقيل له: لو هاجَرْتَ إليه.
فقال: نحن قوم مهذَّبون، فلا حاجةَ بنا إلى من يُهَذبنا.
وقيل: فرحوا بما عند الرسل من العلم فَرَحَ ضَحِك منه واستهزاء به، كأنه