فـ (عَتِيد) صفة لها، ويحتمل أن يكون (عَتِيد) الخبر ويكون (ما) بدلاً مِنْ هذا أو منصوبة بفعل مضمر.
فإن قلت: إذا كان القَرِين في الآية الثانية، بعد هذا فما فائدة تكرُّره وعطفه بالواو أولاً؟
فالجواب أنهم اختلفوا، هل المراد بهما قرين واحد أم لا، إذ المقارنة تكون
على أنواع.
وقال بعض العلماء: قرين في هذه الآية الثانية ليست عطفاً بل جواباً.
وأما عطفه بالواو فلأن هذه الآية معطوفة على ما قبلها من آياتٍ هي إخبار عما يَلْقَاهُ الإنسان المتقدم ذكره مِن الأهوال والشدائد في المواقف الأخروية، وما بين يديها: أولها قوله: (وجاءت سكْرَة الموت بالحق) .
ثم قال: (ونُفِخ في الصور ذلك يوم الوَعِيد) .
(وجاءت كل نفسٍ معها سائِق وشهيد) .
(وقال قرِينُه هذا ما لديَّ عَتِيد) ، فهذه إخبارات عن
شدائد يلي بعضُها بعضاً.
فطابَق ذلك وورد بَعْضها معطوفاً على بعض.
وأما قوله بعد: (قال قرينه ربنا ما أطْغَيْته) ، فهو إخبار مبتدأ مستأنف
معرًف بتَبَرِّي قرينه من حَمْله على ما ارتكبه واجترحه، ولا طريق إلى عطف
ذلك على ما قبله، إنما هو استئناف إخبار، فوُجد كلّ على ما يرد.
(قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) :
أي كان جبريل من محمد - صلى الله عليه وسلم - بمقدار القاب - وهو مقدار المسافة بين قَوْسين عَرَبيين، ومعناه من طَرَف العود
إلى طَرَفه الآخر.
وقيل من الوتر إلى العود.
وقيل ليس القوس الذي يُرْمَى بها، وإنما هي ذِراع تُقَاس به المقادير.
ذكره الثعلبي، وقال: إنه من لغة أهل الحجاز، وتقدير الكلام: مقدار مسافة قُرْبِ جبريل من محمد - صلى الله عليه وسلم - مِثْلُ قاب
قوسين، ثم حذفت هذه المضافات.
ومعنى أدنى أقرب.
و (أو) هنا مثل قوله: أو تريدون.
وأشبَهُ التأويلات فيها أنه إذا نظر إليه البشر احتمل أن يكونَ قاب قوسين، أو يكون أدنى.
وهذا الذي ذكرنا أن الضمائر المتقدمة لجبريل هو الصحيح.
وقد ورد ذلك في الحديث عن سيِّدنا