معتقدين لكذبك، وإنما هم يجحدون الحق جمع علمهم به.
ومن قرأه بالتخفيف قيل معناه لا يجدونك كاذباً.
يقال: أكذبْت فلاناً إذا وجدته كاذباً، كما يقال
أحْمدته إذا وجدته محموداً.
وقيل هي بمعنى التشديد، يقال أكْذَب فلانٌ فلاناً، وكذّبه بمعنى واحد.
وهو الأظهر، لقوله بعد هذا: (يجحدون) .
ويؤيد هذا ما روي أنها نزلت في أبي جهل، فإنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنا لا نكذِّبك، ولكن نكذب ما جئْتَ به، وإنه قال للأخنس بن شَرِيق: والله إن محمداً لصادق، ولكني أحسده على الشرف.
(فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ) ، أي من الذين يجهلون أنَّ اللَه لو شاء لجمعهم على الهدى.
وقد قدمنا أن قول الله: (فَلَا تَكُونَنَّ) - بالتأكيد - لرسوله لإفراط محبته فيه، لأن العادة أن يكون الاجتهاد على قدر المحبة، بخلاف قوله لنوح: (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) ، لأنه صَفِيّ، ولا يبلغ قَدْر المحب.
(فَرَّطْنَا) ، أي ضَيَّعنا وأغفلنا.
والمراد بالكتاب في الآية اللَّوْح المحفوظ.
والكلام على هذا عامّ.
وقيل القرآن، ومعناه أن الله لم يفرط فيه من شيء، فيه هداية الْخَلق، والبيان لهم.
وقد قدمنا أنَّ جميعَ العلوم الدنيوية والدينية مستنبطةٌ منه.
(فلولا إذْ جَاءَهم بأسُنَا تَضَرَّعوا) :
في هذه الآية عرض وتحضيض على التضرع، ومدح لهم في رجوعهم إلى الله، ودليل على أن من أخذه اللَه بذنوبه فلم يرجع إليه يقسو قلبه، كما ذكر في هؤلاء الكذابين.
(فلما نَسوا ما ذكَروا به) :
أي من الشدائد، ولم يتعظوا بها، فتح عليهم أبواب الرزق والنعم، ليشكروا عليها فلم يشكروا، فأخذهم الله.
(فتَطْردهُمْ) :
هذا جواب النفي في قوله: (ما عليك) .
(فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ) :
استفهم عن المؤمنين والكافرين لعلهم يجيبون، فأجاب عن السؤال بقوله: (الذين آمَنوا ... ) .