لأنَّ الوصف في الفارقات أليق بهم من الرياح، ولأن الْمُلْقيات المذكورة بعدها هي الملائكة، ولم يقل أحَدٌ إنها الرياح، ولذلك عطف المتجانسين بالفاء، فقال، والمرسلات، فالعاصفات، ثم عطف على ما ليس مِنْ جنسها بالواو، فقال: والناشرات، ثم عطف عليه المتجانسين بالفاء.
وقيل في الْمُرْسلاَت والْمُلْقِيات إنهم الأنبياء عليهم السلام.
فإن قلت: هل يصحُّ قولُ القائل إن الْمرْسلات الرياح لمعنى قوله: عُرْفاً؟
والجواب أنَّ معنى عُرْفاً على كلّ قَوْل -: فَضْلا وإنعاماً، وانتصابُه على أنه
مفعول من أجله، وقيل معناه متتابعة، وهو مصدرٌ في موضع الحال.
وأما عَصْفاً ونَشْراً وفَرْقاً فمصادِر.
وأما ذِكْراً فمفعول به.
(فإنْ كانَ لكمْ كَيْدٌ فَكِيدون) :
تعجيز وتعريض بكَيْدِهم بالدنيا، وتقْريع عليهم، كَقول نوح: (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (٧١) .
وكقول موسى: (فأجْمِعوا كَيْدَكم ثم ائْتوا صَفًّا) .
(فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا) :
قيل إنها الملائكة، سمّاهم اللَه نازعات، لأنهم ينزعون نفوسَ بني آدم من أجسادها، وناشطات، لأنهم ينشطونها، أي يخرجونها، فهو من قولك: نشطت الدّلْوَ من البئر، إذا أخرجتَها.
وسابحات، لأنهم يسبحون في سيرهم، أي يسرعون فيسبقون فيدبّرون
أمورَ العباد والرياح والمطر وغير ذلك حسبما يأمُرهم الله.
وقيل: إنها النجوم، وسماها نازعات، لأنها تنزع من المشرق إلى المغرب.
وناشطات لأنها تنشط من بُرج إلى برج، وسابحات لأنها تسبَح في الفلك، ومنه: (كلّ في فَلَكٍ يَسْبَحون) ، فتسْبق في جَرْيها، فتدبِّر أمْراً من علم الحساب.
(فالْمُدَبرَاتِ أمرًا) :
قال ابن عطية: لا أعلم خلافًا أنها ْ الملائكة، وحُكي فيها القولانِ، كما تقدم.