فإن نظم الآية الثانية عكس نظم الأولى، لتقديم العمل في الأولى عن
الإيمان، وتأخيره في الثانية عن الإسلام.
ومنه نوع يسمى القلب والمقلوب المستوي، وما لا يستحيل بالانعكاس، وهو أن تُقرأ الكلمة من أولها إلى آخرها، كما تُقرأ من آخرها إلى أولها، كقوله:(كُلٌّ فِي فَلَكٍ) .
(وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) .
ولا ثالث لهما في القرآن.
[العنوان]
قال ابن أبي الإصبع: هو أن يأخذ المتكلم في غَرَض، فيأتي لقصد تكميله
وتأكيده بأمثلة في ألفاظ تكون عنواناً لأخبار متقدمة، وقصص سالفة.
ومنه نوع عظيم جداً، وهو عنوان العلوم، بأن يُذْكر في الكلام ألفاظ تكون مفاتيح لعلوم ومداخل لها، فمن الأول قوله تعالى:(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا) .
فيها عنوان قصة بلعام.
ومن الثاني قوله تعالى:(انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (٣٠) .
فيها عنوان علم الهندسة، فإن الشكل المثلث أول الأشكال، فإذا نُصب في الشمس على أي ضلع من أضلاعه لا يكون له ظل لتحديد رؤوس زواياه، فأمر الله تعالى أهل جهنم بالانطلاق إلى ظل هذا الشكل تهكلماً بهم.
وهو مختص بالفصاحة دون البلاغة، لأنه الإتيان بلفظة تتنزل منزلة الفريدة
من العقد، وهي الجوهرة التي لا نظير لها - تدل على عظم فصاحة هذا الكلام وقوة عارضته، وجزالة منطقه، وأصالة عربيته، بحيث لو أسقطت من الكلام عزّتْ على الفصحاء.
ومنه: حَصْحَصَ الحقّ - في قوله:(الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ) .