قلت: الدلالة على أنه قد تأتي في التأمُّل والتمهل، وكان بين الأفعال المتناسقة تراخ وتباعد.
فإن قلت: فلم عطف فقال بالفاء بعد عطف ما قبله بثم؟
قلت: لأن الكلمة لما خطرت بباله بعد التطلب لم يلبث أن نطق بها من غير
لبْث.
فإن قلت: فلم لم يوسط حرف العطف بين الجملتين؟
قلت: لأن الأخرى جرت من الأولى مَجْرى التوكيد من المؤكد.
(فمَنْ شاء ذَكَره) :
فاعل شاء ضمير يعود على مَنْ.
وفي ذلك حَفْز وترغيب.
وقيل الفاعل هو الله.
ثم قَيَّد فعلَ العبد بمشيئة الله.
(فاقِرَةٌ) ، أي مصيبة قاصمة الظَّهْر، تقول: فقرتُ
الرجل، إذا كسرت فقَارَه، كما تقول: رأسْتُه، إذا ضرَبْت رأسه.
(فأوْلَى) :
قد قدمنا في مواضع أنه كرّرَ ذلك تأكيداً، وأن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لبَّبَ أبا جهل، وقال: إن اللهَ يقول لكَ: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) .
فنزل القرآن بموافقة ذلك.
(فالعاصِفَاتِ عَصْفاً) :
هي الملائكة، لأنهم يعصفون كما تعصفُ الرياح في سرعة مُضِيهم إلى امتثال أوأمرِ اللَهِ.
وقيل: الرياح، لقوله: ريح عاصف.
(فالفَارِقَاتِ فَرْقأ) :
قيل الملائكة لأنهم يفرقون بين الحق والباطل.
وقيل الرياح، لأنها تفرق السحاب، ومنه: (ويجعله كِسَفاً) .
(فالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً) :
هم الملائكة، لأنهم يلقون الذكر للأنبياء عليهم السلام.
والأظهر في المرسلات والعاصفات أنها الرياح، لأن وَصْف
الرياح بالعصف حقيقة.
والأظهر في الناشرات والفارقات أنها الملائكة،